فأما الأعراب فقل من رأيت من فضحائهم اليوم من يفرق بينهما في كلامه وهذا يدلك على شدة التشابه وقوة التماثل ولست أقول هذا على وجه الأحتجاج بكلامهم فإنهم الآن محتاجون إلى أقتباس اللغة من الحضر وإصلاح المنطق بأهل المدر. إلا أنهم قل ما يتفق منهم العدول عن النطق بحرف من الكلام إلى حرف آخر إلا والشبه فيهما قوى على ما قدمت ذكره.
ووقوع المهمل من هذه اللغة على ما قدمته لك في الأكثر من اطراح الأبنية التي يصعب النطق بها لضرب من التقارب في الحروف فلا يكاد يجىء في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم وثقله. وقد روى أن الخليل ابن أحمد قال: سمعنا كلمة شنعاء وهي الهغجع وأنكرنا تأليفها. وقيل إن إعرابيًا سئل عن ناقته فقال: تركتها ترعى الهغجع فلما كشف عن ذلك وسئل الثقات من العلماء عنه أنكروه ودفعوه وقالوا: نعرف الخعخع وهذا أقرب إلى تأليفهم لأن الذي فيه حرفان حسب. وحروف الحلق خاصة مما قل تأليفهم لها من غير فصل يقع بينهما كل ذلك أعتمادًا للخفة وتجنبًا للثقل في النطق. فأما القاف والكاف والجيم فلم تتجاوز في كلامهم البتة لم يأت عنهم قج ولا جق ولا كج ولا جك ولا قك ولا كق وكل ذلك فرارًا مما ذكرناه إلا أن هذه الحروف قد تكررت في بعض الكلام قال رؤبة بن العجاج:
لو أحق الأقراب فيها كالمقق١
ونحو ذلك. والعلة فيه على ما ذكر أصحاب هذه الصناعة أن المكرر معرض في أكثر أحواله للإدغام لأنك تقول فرس أمق والحرفان
_________
١ لواحق الأقراب خماص البطون قد لحقت بطونها بظهورها والمقق الطول.
1 / 57