وخالطه وأن الكلام حال في الجني دونه فيعود الأمر إلى أن المتكلم بالكلام من حله.
قلنا له ليس يعتقدون أن آلة المصروع ولسانه قد صار للجني دونه لأنهم لا يضيفون إلى الجني كل كلام يسمع من المصروع كالتسبيح والقراءة وما يجري مجراهما مما يعتقدون أن الجني لا يقصده. وإنما يضيفون إليه ما يعتقدون أنه لا يكون من مقصود غير الجني. فدل هذا على أنهم لا يضيفون الكلام إلا إلى من وقع بحسب أحواله وقصوده على ما قدمناه. ويدل أيضًا على ما ذهبنا إليه أن الكلام يوجد في الصدأ ويستحيل أن يكون كلامًا له أو للقديم تعالى لأنه ربما كان كذبا أو عبثًا وهو عز اسمه ينزه عن ذلك. أو كلامًا لا لمتكلم به فيجب أن يكون كلامًا لمن فعل أسبابه ووجد بحسب دواعيه وقصوده. وليس لهم أن يمتنعوا من وجود الكلام في الصدا لأنه عندهم معنى في النفس لانا قد بينا أن الكلام هو هذه الأصوات المخصوصة فيما تقدم ولا شبهة في وجودها في الصدا. فأما حدهم للمتكلم بأنه من له كلام فإحالة على مبهم والسؤال باق لأنه يقال: فكيف صار الكلام له ابأن حله أو بأن فعله. فلا بد من التفسير. وهذه اللفظة أعني قولهم: أن له كذا تحتمل أمورًا مختلفة المعاني: منها إضافة البعض إلى الكل كقولهم: له يد ورجل. ومعنى الملك كقولهم: له دار وغلام. ومعنى الفعلية كقولهم: له إحسان ونعمة. ومعنى الحلول كما يقال: له طعم ولون. وما يحتمل أمورًا مختلفة لا يجوز أن يحد به في الموضع الذي يقصد فيه التمييز وكشف الغرض.
ولما كنا قد ذكرنا طرفًا من القول في حقيقة الكلام والمتكلم فيحتاج إلى نبذ من الكلام في الحكاية والمحكي ليكون هذا الفصل مقنعا فيما وضع له. والذي كان يذهب إليه أبو الهذيل محمد بن الهذيل١. وأبو علي
_________
١ هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي مولى عبد القيس أبو الهذيل العلاف من أئمة المعتزلة ولد بالبصرة سنة ١٣٥هـ اشتهر بعلم الكلام قال عنه المأمون أطل أبو هذيل على الكلام كإطلال الغمام على الأنام له مقالات في الاعتزال ومجالس ومناظرات وكان حسن الجدل قوي الحجة كف بصره في آخر عمره وتوفي بسامرا سنة ٢٣٥هـ.
1 / 45