أقول تكلم ولا أقول قال كلاما لأن الكلام ما وقع على الجمل من حيث ذكرت أن كلاما إنما وقع على أن يكون اسما للمصدر ونائبًا عنه. وذلك المصدر١ موضوع للمبالغة والتكثير. ألا ترى أنك تقول فعلت كذا وكذا. ولفظ هذا يحتمل أن يكون كثيرا وأن يكون قليلا. وبابه القلة. وإذا قال فعلت بتشديد العين لم يكن إلا للتكثير وزال عنه معنى القلة من أجل التشديد.
فإذا كان الأمر على هذا وكان الكلام جاريا على لفظ فعل للمبالغة وجب أن يراد به التكثير وأقل أحوال التكثير والتكرير أن يكون واقعًا على جملة. فإن قيل فإن الفعل المستعمل من هذا اللفظ لا يكون على وجهين إذا أريد التقليل كان خفيفا وإذا أريد التكثير ثقل كما نجد ذلك في ضرب وضرب وذلك أنه لم يجىء فيه إلا كلمت البتة. قيل: أليس قد تقرر أن لفظ فعل للتكثير والتكرير فينبغي أن يوفى حق لفظها. وكونها على حالة واحدة عندي أبلغ في المعنى حتى صارت عندهم لفظة لا تستعمل إلا للمبالغة من حيث كان الكلام أجل ما يوصف به الإنسان.
حتى قال الشاعر: ٢
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وقال قبل هذا البيت:
وكائن ترى من ساكت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
ولآخر: ٣
ومما كانت الحكماء قالت ... لسان المرء من خدم الفؤاد
ويقال لأهل الدين والكلام عليه: فلان متكلم. فلولا أنها شيمة
_________
١ يعني التكليم.
٢ هو زهير بن أبي سلمى والأبيات من معلقته.
٣ البيت لأبي تمام.
1 / 35