فصل في الحروف
الحرف في كلام العرب يراد به حد الشيء وحدته. ومن ذلك حرف السيف إنما هو حده وناحيته. وطعام حريف: يراد به الحدة. ورجل محارف أي محدود عن الكسب. وقولهم: انحرف فلان عن فلان أي جعل بينه وبينه حدا بالبعد.
وفسر أبو عبيدة معمر بن المثنى١ قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ ٢ أي لا يدوم. وفسره أبو العباس أحمد بن يحيى٣ أي على شك. وكلا التأويلين على ما قدمناه لأن المراد أنه غير ثابت على دينه ولا مستحكم البصيرة فيه فكأنه على حرفه أي غير واسط منه.
وسميت الحروف حروفًا لأن الحرف حد منقطع الصوت. وقد قيل: إنها سميت بذلك لأنها جهات للكلام ونواح كحروف الشيء وجهاته.
فأما قولهم في القراءة: حرف أبي عمرو من القراء وغيره فقد قيل فيه: إن المراد أن الحرف كالحد ما بين القراءتين. وقيل أيضًا: أن الحرف في هذا القول المراد به الحروف كما قال الله تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ ٤ أي والملائكة. وكقولهم: أهلك الناس الدينار والدرهم أي
_________
١ هو معمر بن المثنى التيمي أبو عبيدة النحوي المعروف من أئمة العلم بالأدب واللغة ولد بالبصرة سنة ١١٠هـ وتوفي فيها سنة ٢٠٩هـ قال عنه الجاحظ لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه له نحو ٢٠٠ مؤلف منها نقائض جرير والفرزدق ومجاز القرآن وأيام العرب ومعاني القرآن ٠٠ وغيرها كثير وهو من حفاظ الحديث-.
٢ سورة الحج الآية ١١.
٣ هو أحمد بن يحيى بن زيد الشيبائي أبو العباس المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان راوية للشعر مشهورا بالحفظ ولد ببغداد سنة ٢٠٠هـ أصيب في أواخر عمره بالصمم توفي على أثر صدمة تلقاها من فرس سنة ٢٩١.هـ من كتبه قواعد الشعر وشرح ديوان زهير والفصيح ومجالس ثعلب.
٤ سورة المجادلة الآية ١٧.
1 / 23