Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genre-genre
أهاب باكيا بقومه وقبائله وأمرائه وأبنائه الكثيرين ناديا محرضا: تعالوا، تعالوا اشهدوا جميعا ابني مقلقل جثة نزعت عنها رأسها.
تدافعت الوفود والأقوام وشيوخ القبائل والأمراء ومن خلفهم جوقات النساء النادبات النائحات في السواد، وقد لطخن وجوههن بالنيلة الزرقاء «يصرخون ويتوعدون». - جثة بلا رأس: منين نعرف لها «أساس».
والملك يصرخ ويرعد ويمزق ثيابه وينتزع شعيرات ذقنه في جنون: ابني وريثي، أسد يهوذا، تعالوا قربوا، اشهدوا.
وخلال كل ذلك الجو الملبد بالحزن وبكائيات النادبات وعويل النساء، انسل الوزير سقرديون متخاذلا منزويا عن العيون المتطلعة المشيرة إليه بكل اتهام، فهو وحده صاحب ومدبر المكيدة الأخيرة، نكاية بملك «أفراح» وابنته - شامة - التي رفضت الزواج من الابن القتيل، بما يشير ويعني وقوفها في صف العرب الطامعين الغزاة، ولو لم يجهرا علنا بوقوفهما ذاك.
بل إن انزواء سقرديون ومحاولة اختفائه من هول مشهد ما يحدث، تضاعف أكثر حيرة، ووقعت عيناه بين الجموع، على وزير - الميسرة - الحجازي «أبو الريف» الذي تقدم في ثيابه فأفسح له الجميع طريقه إلى حيث التابوت الملكي المغطى برقائق الذهب، فأعاد غلق غطائه، مانعا في هدوء الوفود المتدافعة كالهدير من حول التابوت. - لتهدأ روح الميت في مثواه الأخير.
صرخ الملك سيف أرعد: لن تهدأ إلا بالثأر.
وعل الفور تعالت دقات طبول الحرب العاتية من داخل القصر وخارجه، مترددة من كيان إلى آخر، ومن مدينة إلى ما يجاورها، بإيقاع رتيب، تهيب بالكتائب ووحدات الجنود والمحاربين التجمع والتأهب للحرب.
وانسل سقرديون منسحبا إلى حيث الساحة الخارجية للقصر مصدرا تعليماته لقادة الوحدات والكتائب في محاولة للتغلب على ذلك الإحباط الذي لم يخل من إحساس دفين بالذنب مما حدث، وهو يوحي للجميع بأن الخطر كل الخطر من العرب - اليمانية - وعاصمتهم. - الموت والدمار لأحمرا.
وسريعا ما دوت الهتافات من كل جانب، مطالبة بالتوجه - الآن وليس غدا - لمدينة التبع ذو اليزن، والمطالبة برأس ابنه: سيف اليزن، ولا أحد غيره.
وهكذا وجدها سقرديون فرصته سانحة لإلهاب المشاعر، وتجميع كل الجهود للتخلص من النفوذ العربي، بحسب خطته السابقة التي لم يولها الملك سيف أرعد اعتبارا وهي تدمير أحمرا أولا وقبل كل شيء، ولو استدعى الأمر التخلي عن حاميات الحبشة في الشمال الأفريقي: في تلمسان وصعيد مصر والسودان وبلاد النوبة الآن. - وقبل إطفاء النيران المتوقدة بدفن الجثمان.
Halaman tidak diketahui