Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genre-genre
وإن حدث ونطق لسانه سوءا تعبيرا عن غله وحقده الدفين، نطق باسم ذلك الملك الصيني الذي اتخذه دليلا، يقوده وجنوده داخل مجاهل بلاد الصين، فكان أن غرر به الدليل الحليف إلى أن أفقده طريقه وهدفه وأضاعه داخل تلك البلاد المترامية، بوهادها وجبالها الشاهقة وأنهارها وصحاريها الجرداء. - ذلك الدليل الآسيوي الخسيس.
ورغم أن التبع حسان، أدرك بنفسه في نهاية المطاف خيانة حليفه، فأوقع به انتقامه على مرأى من قومه وقبائله وزوجاته وجواريه وأبنائه، وذلك بأن استقدمه ذات ليلة وواجهه بادعائه وخداعه، وما انتهى إليه أمر الجيش العربي.
وحين أسقط في يد ذلك الملك الدليل المتآمر، وحاول معاودة الدفاع عن نفسه، استل التبع حسان من فوره خنجره من وسطه وتقدم منه على مرأى من الجميع، واستخرج لسانه من فمه وقطعه عن آخره بخنجره المشرع. - الآن أريحك من هذا اللسان الكاذب.
ولم يكتف بهذا، بل إن التبع اليمني سجنه داخل محفة أو قفص من الفولاذ للحكم وأمر حرسه وحجابه بوضع القفص إلى جانب قاعة عرشه، وهو بداخله حي يرزق يرقب ويعي ما يحدث من اجتماعات وخطط - كما كان في السابق - دون أن ينطق بكلمة ... بحرف.
ومن هنا اكتفى الملك أسعد بمراقبة تعبيرات وجهه وهو يسمع ويرى مسار الخطط الغازية لبلاده، دون أن يقوى على النطق والحركة، بعدها ساءت حالة الملك وحل به السقم هو بدوره، من صديقه الصيني، الحميم الذي أولاه كل ثقته، ولم يحصد منه سوى الخيانة والمرارة والضياع في مجاهل هذه البلاد سنوات طويلة. - أهكذا يصنع بالصديق!
فكثيرا ما كان التبع أسعد يمضي يشاركه طعامه وشرابه وحدهما داخل قاعة عرشه، كما كانا سابقا، وقبل افتضاح أمره، طارحا عليه كل ما يعن له من أمور حقيقية؛ سائلا: ما رأي صديقي؟
متلقيا إيماءاته من داخل سجنه وأصفاده متلمسا بنفسه صحة أقواله أو إيماءاته مدركا خسيسها من أصيلها، وله طبعا القرار الأخير.
فحتى الخرائط ومسار المعارك ومعالم الطرق والمسالك والبلدان، كان يدفع بها إليه، طالبا مشورته وإشارته. - لعلني أصبحت أعرفك أكثر فأكثر عن طريق اكفهرارك قبل لسانك أيها الصديق الوفي الأخرس.
ويبدو أن كل ذلك، لم يكف غليل التبع أسعد، وهو الذي أخلص له، منذ أن جاءه مخلوعا ذليلا ينزف كمدا مما فعله به ملوك الصين، فكان أن احتضنه ورد إليه ملكه وكامل سلطاته وممتلكاته وبلاده، وقربه منه السنوات الطوال قبل أهله وعشيرته ومستشاريه ورءوس القبائل: بل وحتى ولديه عمرو وحسان.
إلى أن تكشف له وجهه؛ وجه الصديق الذي قاده إلى متاهات الصين، كمثل غريق، تودي به رياح السموم الهوجاء إلى الغوص في رمالها، هو وجنوده وقادة فيالقه بل وأربعة أمراء من أبنائه، فلذات كبده. - أهكذا يصنع بالصديق؟
Halaman tidak diketahui