Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genre-genre
ظهرت شجاعة الأميرة «قمرية» في تلك الحملة الانتقامية الضارية التي قادتها فجأة ودون سابق إعداد أو حتى مجرد التفكير في عواقبها، وذلك حين شاهدت بعينها مدى الخسة أو العدوان الأسود الذي استحال إليه ملك الأحباش «سيف أرعد»، حين سنحت فرصته بالانتقام مستغلا ما حط على الملك التبع ذو اليزن من مرض ألزمه فراشه.
فما كان من ذلك «الأرعد»، إلا المبادرة بالشر والعدوان، إلى رفع راياته وبيارقه وإشهار سهامه في محاولة لإطباق الحصار على عاصمة التباعنة «أحمرا».
هنا لم يكن أمام قمرية سوى ارتداء عدة حرب ذو اليزن ووضع تاجه ودروعه وشاراته، وحمل حسامه، بعدما اتخذت كامل هيئته متنكرة وخروجها بالجيش لرد العدوان - الحبشي - وما يمثله من خطر محدق.
وحالف الحظ في مكيدتها الانتقامية تلك، ذلك أن عيون وبصاصي سيف أرعد، ما إن وقعت أبصارهم عليها على ذلك النحو، حتى تراجعوا من فورهم مندحرين، فارين بجلدهم مشيعين عبر كل مدينة ووطن وكيان، كيف أن التبع اليمني: لم يمت، وهو يتقدم فيالق جيشه محاربا وعلى رأسه تاج التباعنة.
وسرعان ما سرى الخبر متواترا من كل مدينة إلى ما يتاخمها بأسرع من سريان النار في الهشيم. - الملك التبع معافى يعتلي صهوة جواده، الشهباء، ويتقدم جيشه فاتحا محاربا.
وساد الذعر والفزع أول ما ساد فيالق وكتائب جيش الأحباش، فركضت فلولهم تسابق الرياح عائدة باتجاه إثيوبيا.
إلا أن «قمرية» واصلت زحفها موقعة الرعب والموت والدمار بهم، حتى إذا ما تراجعت جيوش الأحباش عابرة النيل، واصلت تعقبها لها على طول غاباته وجباله المشرفة، مستخدمة فرق النشابة التي كان يوليها الملك ذو اليزن رعايته الخاصة، بل وكثيرا ما أوصاها هي ذاتها بهم. - النشابة هم درعي الحامي.
فمضوا يمطرون جيش الأحباش الفارين المذعورين من أعلى قمم سفوح الجبال المحيطة دون رحمة، فلم يفلت منهم سوى القلة التي عادت بالخبر والهزيمة المروعة إلى عاصمة سيف أرعد «إثيوبيا» معلنة خداع الملك - أرعد - وافتراءه بادعائه موت التبع، وها هو الملك التبع يواصل بجيشه الباسل تقدمه إلى هنا. - التبع اليمني لم يمت، ها هو على ظهر الشهباء بعدما قتل وأسر معظم جيش الحبشة.
كانت الأميرة «قمرية» تحارب بضراوة فائقة مواصلة تقدمها مسرعة إلى أقصى حد، ذلك أنها كانت نهبا للعديد من التوجسات العنيفة والمخاوف، سواء منها ما يتصل بصحة الملك ذي اليزن الطريح الفراش، أو ما يتصل بحملها وما في أحشائها منه، أو ما يتصل باتخاذها لقرار مصيري مثل قرار الحرب دون استشارته، ثم مدى ما سيحدثه مثل هذا القرار، حين يسمع به - ذو اليزن - فجأة ويعلم باختفائها عنه بضعة أيام قد تصل إلى أسابيع، دون مراعاة لآلام حملها وما يمكن أن يشكله هذا فعلا من أخطار تتصل بوحيده الذي ينتظره ببالغ الصبر ونفاده. - هيكل، سيف.
لذا، ما إن قاربت الانتهاء من مهمتها، إلى حد إجهادها، ثم انتصارها واقتحامها بجيشها حدود الحبشة وتوابعها ذاتها، حتى تملكها الإعياء الشديد. - لنضع حدا للعدوان المبيت علينا من سيف أرعد الجبان.
Halaman tidak diketahui