وحكي أنه اضطر وهو بهوسم إلى مائتي دينار، وعلم أنه إن لم تحصل أحوج إلى الجلاء، فقيل له: استقرض من أبي جعفر البيع فإنه مؤسر، فطلب منه أن يقرضه، فأبى عليه، ففارق هوسم، ولم يكرهه على الإقراض مع أن الشرع يسوغ له ذلك أخذا بالاحتياط.
وكان رضي الله عنه يجالس الفقهاء(1) وأهل المسكنة، ويكاثر أهل الستر والعفة، ويميل إليهم، ويلبس الوسط من الثياب القصيرة إلى نصف الساقين، قصيرة الكمين، وكان يرقع بيده قميصه، ويشتمل بإزار إلى أن يفرغ من إصلاحه، وكان يلبس قلنسوة من صوف أحمر، مبطنة، يحشوها بقطن، ويتعمم فوقها صغيرة متوسطة.
وكان يلبس جوربا مخيطة(2) من الخرق، ثم يلبس البطبط(3)، وكان لايتقوت ولايطعم عياله إلا من ماله، وكان يرد الهدايا والوصايا إلى بيت المال، وكان يكثر ذكر الصالحين، وإذا خلا بنفسه يتلو القرآن بصوت شجي حزين، وكان غزير الدمع، كثير البكاء، دائم التفكر، يتأوه في أثنائه، وربما تبسم أو كشر عن أسنانه.
قال القاضي يوسف: صحبته ست عشرة سنة فلم أره مستغرقا في الضحك.
وكان يستقصي في استيفاء العشور والزكوات من الفسقة وأهل الريب، ويقول لعماله: لاتأخذوا من أهل الدين والصلاح إلا ما أدوه عن اختيارهم فإنهم لايخلون بالأداء، ويكفوننا المهم فيهما، وكان يستوفي زكوات الأموال الظاهرة، ولايتعرض لزكوات الأموال الباطنة، وكان لايفطر في شهر رمضان حتى يفرغ من العشاء الآخرة، وكان يداوم على الصلاة بين العشائين، ويطعم في شهر رمضان كثيرا من المسلمين، وكان يمسك مال بيت المال بيده، ويحفظه بنفسه، ولايثق فيه بأحد، ويفرق على الجند بيده، ويوقع في الخطوط بيده.
Halaman 3