Sirat Ibn Hisham, Ed. Taha Abdul Raouf Saad
سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد
Penyiasat
طه عبد الرءوف سعد
Penerbit
شركة الطباعة الفنية المتحدة
Genre-genre
يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ: صَالِحٌ، فَأَحَبَّهُ صَالِحٌ حُبًّا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ. فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْميون، حَتَّى خَرَجَ مَرَّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ -كَمَا كَانَ يَصْنَعُ-وَقَدْ اتَّبَعَهُ صَالِحٌ، وفَيْمِيون لَا يَدْرِي؛ فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ منظرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ، لَا يُحِبُّ أَنْ يُعلم بِمَكَانِهِ، وَقَامَ فَيْمِيُونُ يُصَلِّي فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التِّنِّينُ –الْحَيَّةُ ذَاتُ الرُّءُوسِ السَّبْعَةِ١– فَلَمَّا رَآهَا فَيْمِيون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ، فَعِيل عَوْلَه فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيون! التِّنِّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَأَمْسَى، فَانْصَرَفَ، وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ عُرف، وعَرف صَالِحٌ أَنَّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ: يا فَيْمِيون! تعلم والله مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قطُّ حبَّك وَقَدْ أَرَدْتُ صُحْبَتَكَ، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ، فَقَالَ: مَا شئتُ، أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّكَ تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ، وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ الْعَبْدُ بِهِ الضرُّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرٌّ لَمْ يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيون، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ الْبُنْيَانَ بالأجْر، فَعَمَدَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ، فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا ثم جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُونُ، إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتَّى تَنْظُرَ إلَيْهِ فَأُشَارِطُكَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِكَ هَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ انْتَشَطَ الرجلُ الثوبَ عَنْ الصَّبِيِّ٢، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيون، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فادعُ اللَّهَ لَهُ؟ فَدَعَا لَهُ فَيْمِيون؛ فَقَامَ الصَّبِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وعَرف فَيْمِيُونُ أَنَّهُ قَدْ عُرِف، فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ، وَاتَّبَعَهُ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشَّامِ إذْ مَرَّ بِشَجَرَةِ عَظِيمَةٍ، فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا فَيْمِيون! قَالَ نَعَمْ. قَالَ: مَا زِلْتُ أَنْظُرُكَ، وَأَقُولُ: مَتَى هُوَ جَاءٍ؟ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَكَ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، لَا تبرحْ حَتَّى تَقُومَ عليَّ فَإِنِّي مَيِّتٌ الْآنَ. قَالَ: فَمَاتَ، وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَتَبِعَهُ صَالِحٌ، حَتَّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، فعدُوا عَلَيْهِمَا، فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيَّارةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فخرجوا بهما، حتى
_________
١ أي القرون السبعة.
٢ انتشط الثوب: رفعه بسرعة.
1 / 27