ويتضح من ظاهرة اهتمام أبي زيد الهلالي برصد كل ما تقع عليه عيناه من معالم وجغرافية الأراضي التونسية، مدى إخصابها وخيراتها المتفجرة، بالإضافة إلى معالمها الواقعية وحصونها في قابس ودوس بما يسهل على قومه طريق الهجرة وسهولة فتحها. «أما يحيى ومرعي فأخذتهم سعدى عندها ويبقوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح، أما الأمير أبو زيد فبعد أن دار جميع البلاد وعرف السهول والوهاد، رجع ليرى أحوال البلاد، ولما دخل قصر سعدى فألقاه مطليا بالرصاص.»
وعلى هذا النحو دأب فارس الهلالية على معرفة كل ما يسهل على عشائره طريق هجرتهم وفتوحاتهم، بل إن الأحداث التي صادفت فرسان بني هلال جاءت هي بذاتها بالمبرر لهجرة القبائل وحربها لاسترداد أسرارها من الأمراء الرهائن بقصر سعدى الجميلة ابنة الزناتي خليفة، وغرامها الذي سيشتعل حبا بمرعى عدو بلادها الذي جاء غازيا.
فتحرص السيرة على ترصد أبي زيد الهلالي لكل ما يشاهده ويراه من معالم ومراكز قوة، تسهل على التحالف القبلي الهلالي سهولة فتحها وتملكها.
وما زال يجد في السير مدة خمسين يوما حتى أقبل إلى نجد وتلك الأوطان، وحين دخوله إلى نجع بني هلال التقاه الكبار والصغار، وكلما تقدم إلى قدام يزاحمه الجميع وهم يصرخون بصوت واحد: «اليوم قد أتانا من هو عزنا وحمانا»، وما زال سائر حتى أقبل إلى صيوان الأمير حسن والأمير دياب والقاضي بدير والأمير زيدان شيخ الشباب، تقدموا إليه وقبلوه بين عينيه، وأجلسه الأمير حسن بجانبه، ودارت البشائر في بلاد نجد بأن الأمير أبا زيد حضر من بلاد الغرب، فاجتمعت الفرسان من كل مكان وحينئذ سألوه عن الأمراء مرعي ويحيى ويونس، فعند ذلك بكى الأمير بكاء شديدا، وأشاد يخبرهم عما جرى له من التعب والمعاناة حاكيا مرة ومنشدا أخرى.
إلى أن استقر رأي كبار العشائر على الرحيل والهجرة عن الديار، إلى تونس والمغارب، لفك أسرى أمراء بني هلال.
فاجتمعت القبائل مع مطلع نهار الرحيل يتقدمها شيوخ القبائل وفرسانها، السلطان حسن بن سرحان، وأبو زيد الهلالي ودياب بن غانم والقاضي بدير، وزيدان شيخ الشباب، ثم الأميرة الجازية، التي هي في موقع الكاهنة - القمرية - الأم لهذا التحالف القبائلي الهلالي.
وتصادفهم سلسلة من الحروب والمنازعات أول ما يلتقون في بلاد الأعاجم بالعراق وتخوم إيران وبلاد التركمان، مثلما حدث مع الدبيس بن مريد، ووزيره المدعو همام، عقب سبي إحدى أميرات بني هلال وهي المارية ابنة القاضي.
وفي تلك الحروب تبدت شجاعة وفروسية رأس التحالف اليمني السيرة وهواجسها التي اشتعلت، فأنشدت تمنع أبيها عن منازلة الدبيس دياب بن غانم الملقب بأبي موسى، وابنته وطفاء، أو وطفا، بحسب نطق متوجسة كمثل كاهنة متنبئة:
قد شفت بحر من دم
وأنت بوسطه غرقان
Halaman tidak diketahui