169

Suluh al-Muluk

سراج الملوك

Penerbit

من أوائل المطبوعات العربية

Lokasi Penerbit

مصر

كما قال أبو ذر: إنا لنبش في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم! وقال علي ﵁: أنا لنصافح أكفا نرى قطعها! وليس الصبر والشجاعة وقوة النفس أن تكون مصرًا على المحال لجوجًا في الباطل، ولا أن تكون جلدًا عند الضرب صبورًا على التعب مصممًا على التغرير والتهور، فإنما هذه من صفات الحمير والخنازير، ولكن تكون صبورًا على أداء الحقوق، صبورًا على أداء الحقوق، صبورًا على سماعها وإلقائها إليك غالبًا لهواك مالكًا لشهواتك، ملتزمًا للفضائل بجهدك عاملًا في ذلك على الحقيقة التي لا تحيدك عنها حياة ولا موت، حتى تكون عند موتك على الخبر الذي أشار به العلم وأوجبه العدل خير من البقاء على ما أوجب رفض العلم والعدل، كما قال علي للحسن ﵄: يا بني وما يبالي أبوك لو أن الخلق خالفوه إذا كان على الحق، وهل الخير كله للحق إلا بعد الموت؟ وعن هذا قالت حكماء الهند: إذا لم يكن للملك من نفسه معين كان في جميع أموره ضعيفًا مخذولًا. واعلم أن الجبن مغلبة والحرص محرمة والعجز ذل والجبن ضعف، والجبان يعين على نفسه يفر من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، والشجاع يحمي من لا يناسبه ويقي مال الجار والرفيق بمهجته، والجبان يخاف من لا يحس به والجبان حتفه من فرقه، واعلم أن الشجاعة عند اللقاء على ثلاثة أوجه: رجل إذا التقى الجمعان وتزاحف العسكران وتكالحت الأحداق بالأحداق، برز من الصف إلى وسط المعترك يحمل ويكر وينادي هل من مبارز؟ والثاني إذا تناشب القوم واختلطوا ولم يدر أحد من أين يأتيه الموت، يكون رابط الجأش ساكن القلب حاضر اللب، لم يخامره ولا خالطته الحيرة فيتقلب تقلب المالك لأمره القائم على نفسه. والثالث إذا انهزم أصحابه يلزم الساقة ويضرب في وجوه القوم، ويحول بينهم وبين عدوهم فيقوي قلوب أصحابه ويرجي الضعف، ويمدهم بالكلام الجميل ويشجع نفوسهم، فمن وقع أقامه ومن وقف حمله ومن كردس عن فرسه كشف عنه حتى ييئس العدو منهم، وهذا أحمدهم شجاعة. وعن هذا قالوا: المقاتل من قاتل وراء الفارين كالمستغفر من وراء الغافلين. ومن أكرم الكرم الدفاع عن الحريم وقالوا: لكل أحد يومان لا بد منهما أحدهما لا يعجل عليه، والثاني لا يغفل عنه فمال الجبان والفرار. وكان شيوخ الجند يحكون لنا في بلادنا قالوا: دارت حرب بين المسلمين والكفار ثم افترقوا فوجدوا في المعترك قطعة من بيضة الحديد، قدر ثلثها بما حوته مع الرأس، فيقال إنه لم ير قط ضربة أقوى منها. وكان شيوخ الجند في بلدنا طرطوشة يحكون لنا أنهم خرجوا في أيام سيف الملة في سرية إلى بلاد العدو، فبينما هم يسيرون إذا لقيتهم سرية للروم يريدون منا ما نريد منهم، قالوا وعرف بعضنا بعضًا، وكان في القوم صناديد الروم وكان فينا صناديد المسلمين، فتوافينا ساعة ثم شددنا وشدوا فالتقينا وتجالدنا ساعة، ثم منحها الله ﷿ أكتافهم فجعلناهم حصيدًا كأنهم جزر في الأوضام، وكان هناك بقربهم قرية فيها شيء من الخمر فشربناه وسكرنا ثم اشتهينا شرائح اللحم فقمنا نقطع لنا من لحومهم ونجعل على النار وأكلنا منها، ففزع من كان أسرناه منهم وبلغ الحديث إلى الروم، فانقلبت النصرانية تعجبًا منا وقذف الرعب في قلوبهم. وروي أن عمر بن الخطاب ﵁ لقي عمرو بن معدي كرب فقال له: يا عمرو أي السلاح أفضل في الحرب؟ فقال: فعن أيها تسأل؟ قال: ما تقول في السهام؟ قال منها ما يخطئ ويصيب. قال: فما تقول في الرمح؟ قال: أخوك وربما خانك! قال: فما

1 / 172