Suluh al-Muluk
سراج الملوك
Penerbit
من أوائل المطبوعات العربية
Lokasi Penerbit
مصر
عن الأمور المكنونة التي يفحش إظهارها، والانخراط في سلك المزاح والمهاترة. فهذا وما أشبهه عندهم من أحسن الخلق. وهذا عندنا نقيض ما نص الله تعالى عليه ورسوله من حسن الخلق. فأول ذلك أن يعلم أنه لم تحتو الأرض على بشر أحسن خلقًا من محمد ﷺ، فكل من تخلق، بأخلاق رسول الله أو قاربها كان أحسن الناس خلقًا وكل خلق ليس يعد من أخلاقه فليس من حسن الخلق.
وهذا فصل الخطاب في هذا الباب لمن عقل، وإنما أتى الناس لأنهم استحسنوا الأخلاق العامية واستخشنوا الأخلاق النبوية لجهلهم بأخلاق الرسول ﷺ. وها أنا أتلو عليك من أخلاق الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم والأولياء والأصفياء والعلماء والصالحين، نرجو ما نرجو أن ينفعنا الله وإياك به. قال الله تعالى لنبيه وصفيه محمد ﷺ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: ٤) . فخص الله تعالى نبيه محمد ﷺ من كريم الطباع ومحاسن الأخلاق من الحياء والكرم والصفح وحسن العهد بما لم يؤته غيره، ثم ما أثنى الله عليه من فضائله بمثل ما أثنى عليه بحسن الخلق فقال: وإنك لعلى خلق عظيم. وعن هذا قالت الشيوخ أن الله تعالى دعا الخلق إلى حسن الخلق، ودعا نبيه ﷺ إلى حسن الخلق. نن
قال عبيد بن عمير: قلت لعائشة ﵂: يا أمير المؤمنين صفي لي خلق رسول الله ﷺ فقالت لي: أما تقرأ القرآن؟ كان خلقه القرآن. وحسبك بهذا القول منقبة للرسول ﷺ وتعريفًا لك بحسن الخلق، وإذا كان خلق النبي ﷺ القرآن فالقرآن يجمع كل فضيلة ويحث عليها، وينهي عن كل نقيصة ورذيلة ويوضحها ويبينها، ولذلك لما أنزل الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف: ١٩٩)
قال النبي ﷺ: ما هذا يا جبريل؟ فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، فهذا من حسن الخلق كما ترى. فانظر أين أخلاق العامة من هذا النمط، إن أحدهم ليقطع من وصله ويحرم من أعطاه، ويظلم من سأله ويغضب على من اتهمه.
وإنما اقتصر على هذه الكلمات لأنها أصول الفضائل وينبوع المناقب، لأن في أخذ العفو صلة القاطع والصفح عن الظالم وإعطاء المانع، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله ﷿ تدخل جميع آداب الشرع فرضها ونفاها، وفي الإعراض عن الجاهلين الصفح والحلم وتنزيه النفس عن مماراة السفيه ومجازاة اللجوج، فهذه الأصول الثلاثة تتضمن محاسن الشرع نصًا وتنبيهًا وسمتًا واعتبارًا. وروى عن أنس أنه قال: يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانًا قال: أحسنكم خلقًا. وروى أبو داود في السنن أن النبي ﷺ قال: بعثت لأتمم محاسن الأخلاق.
اقتضى الحديث أن كل نبي مبعوث إلى أمته إنما بعث ليعلم الخلق الحسن، وأن نبينا محمدًا ﷺ بعث ليتمم محاسن الأخلاق. إذن فحسن الخلق امتثال الشرائع بأسرها. روى البخاري ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، قال: وإن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقًا، وقال ﵇: إن الله استخلص هذا الدين لنفسه، ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق، ألا فزينوا دينكم بهما. وكان النبي ﷺ في بعض أسفاره وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فجبذه أعرابي جبذة شديدة حتى أثرت حاشية الرداء في عنقه وقال: يا محمد مر لي بشيء من مال الله الذي آتاك، فلست تأمر لي من مالك ولا من مال أبيك! فالتفت النبي صلى الله
1 / 145