Sinima dan Falsafah
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Genre-genre
إن انتقال إيجور من الاستغلال الطائش للآخرين والطاعة العمياء لأوامر أبيه إلى تكوين هوية أخلاقية قوية يجسده الفيلم في صورة تطور في رد فعله العاطفي تجاه الآخرين. وهو اختيار يبدو صائبا حقا. فتوجد ثلاثة محفزات محتملة تدفع إيجور إلى العناية بأسيتا. أولا: وعده لحميدو المحتضر، والشعور بالالتزام الذي زرعه هذا الوعد في نفسه. ثانيا: تأنيب الضمير - وهو إحساس بمسئوليته عما حدث، ممتزجا بشعوره بالذنب والندم - الذي انتابه على الأرجح لدوره في مصرع حميدو. ثالثا: التجاوب العاطفي العميق الذي يبديه إيجور ناحية أسيتا، والذي ذكرناه سابقا. تلعب المحفزات الثلاث كلها على الأرجح دورا في تحريك أفعال إيجور، لكن الفيلم ينطوي على أدلة واضحة تدعم المحفز الأخير دون باقي المحفزات. إن الوعد الذي يقطعه إيجور في الفيلم يقتصر دوره في المقام الأول على إشعال شرارة اهتمامه العميق بأسيتا، وتجاوبه العاطفي معها ومع احتياجاتها. وبينما يحاول إنقاذها من روجر، لا يبدو أن الوعد هو محور اهتمامه الرئيسي بل أسيتا وطفلها.
لا يبدو أن شعور إيجور بالذنب نتيجة مصرع حميدو هو السبب الرئيسي الذي يدفعه في النهاية إلى تحدي والده وإنقاذ أسيتا (ولا ينبغي لنا توقع ذلك)، بل يبدو أن ما يدفعه في المقام الأول هو خوفه من المصير الذي يخفيه أبوه في جعبته لأسيتا. ما الذي يدفعنا إلى التفكير على هذا النحو؟ ففي نهاية المطاف، نحن نشاهد فيلما لا يكشف عن المشاعر الداخلية لشخصياته إلا من خلال أفعالهم والتعبيرات الانفعالية على وجوههم. إن روجر وإيجور كليهما لا يتمتعان بالقدرة على الإفصاح عن أفكارهما ومشاعرهما، والحالات التي يعبران فيها عما يدور بخلدهما نادرة، إن لم تكن منعدمة. وكلاهما يستخدم اللغة كأداة لإنجاز المهام، ونادرا ما يستخدمانها كوسيلة للتعبير والتواصل.
إذن كيف يستطيع المشاهدون تحديد الحافز الأقوى والأكثر إلحاحا لسلوك إيجور؟ العنصر الأول، والأهم، هو ما يعرضه الفيلم من أدلة لا تنقطع على نمو قدرة إيجور العاطفية وتجاوبه المتزايد تجاه أسيتا. وقد أفردنا بعضا من هذه الأدلة فيما سبق. العنصر الثاني هو أن إيجور لا يبدي تقريبا أيا من التعبيرات العاطفية التي تدل على انشغاله بذاته؛ فهو لا يعتصر فؤاده ندما، مثل ليدي ماكبث. ولا يبدي أي سلوك تعبيري يتوقع من شخص يشعر بالذنب، شخص مدفوع بانشغاله بمشكلاته الخاصة وموقفه الأخلاقي. ثالثا: دعم الأخوان داردين هذا التفسير من خلال تجسيد موقف منذر بالخطر يدفع إيجور إلى قطع علاقته مع أبيه. لقد زيف روجر برقية زعم أنها من حميدو تدعو أسيتا إلى الذهاب إلى مدينة كولونيا؛ إذ يخطط لبيعها إلى تجار الاسترقاق الجنسي. في هذا الموقف، لا يتاح لإيجور فرصة كبيرة للانشغال بنفسه وشعوره بالذنب، بل لا بد له من التركيز على أسيتا وكيفية إنقاذها. وهذا هو ما يفعله تحديدا (الدقيقة 57). ربما نظن أنه شخص مهووس بنفسه استجاب للموقف على نحو يحفظ في الأساس احترامه لذاته، أي أبدى ارتياعه لما سمح بحدوثه وانتابته كذلك مشاعر الرثاء للنفس والتقزز منها، لكن إيجور ليس كذلك.
15
ربما نتخيل أنه شخص عازم على الوفاء بوعده، فيفعل ما فعله لكن دون أن يبدي ما قد يدل على تجاوب عاطفي متزايد واهتمام عميق. لكن إيجور ليس كذلك أيضا.
إذا كان تفسيرنا صحيحا، تصبح شخصية إيجور أكثر ثراء من شخصية تسعى فحسب إلى الوفاء بوعد على مدار الفيلم. لم يف إيجور بوعده مدفوعا فحسب بحقيقة أنه قطعه على نفسه، أو لأنه يرى أن الوفاء بالوعد هو الصواب، بل يكتسب في خضم ذلك فضائل قوية، وتتألف تلك الفضائل مما هو أعظم بكثير من الميل إلى التصرف كما ينبغي. تكمن الفضائل بقدر كبير في داخلنا مثلما توجد خارجنا. يوضح الفيلم هذا؛ وبذلك يطرح دعما قويا لصورة أو أخرى من صور نظرية الفضيلة الثلاث التي حددناها في الفقرات السابقة. تذكر أن أحد الخيارات المعارضة لنظرية الفضيلة (الخيار الأول) التي ناقشناها ساوت الفضائل بالميل إلى فعل الصواب. لا ينبع تحول إيجور الأخلاقي من دافع كهذا فحسب. وإذا كان ينبع منه، لم نكن لنستجيب له على النحو الإيجابي نفسه. وهكذا يوضح الفيلم أن الخيار الأول زائف، وأن الفضيلة تجمعها علاقة وثيقة بالقدرة على التجاوب العاطفي. تذكر أننا ذكرنا أثناء مناقشتنا لمفهوم الفضيلة عند أرسطو أن الفضائل هي حالات تستحق تقديرا استثنائيا من حالات الشخصية؛ إنها أشكال تضفي علينا نبلا وتجسد أساس حياة صالحة تستحق العناء. في فيلم «الوعد» نشهد تحول إيجور من طفل يعيش حياة مهينة وبلا قيمة تقريبا، إلى شخص ناضج يستحوذ على إعجابنا بشدة. إن التحول الذي تشهده شخصية إيجور تحول جميل يحرك مشاعرنا. لكن من الواضح أيضا أن هذا التحول يرتبط ارتباطا وثيقا بطريقة شعوره وتفكيره وإدراكه، وحكمه على ما حوله، وكيفية تصرفه في ضوء هذا كله. تخيل شخصا يفي بوعد مثل الذي قطعه إيجور على نفسه لكن دون أي تحول مصاحب في شخصيته؛ من المستبعد أن يؤثر فينا هذا النموذج كثيرا. نستنتج من هذا أمرا ذا مغزى فلسفي؛ وهو أن الهوية الأخلاقية مسألة معقدة، ولا يمكن اختزالها في أداء الواجب الأخلاقي؛ فالفضائل مكونات لا غنى عنها في حياتنا الأخلاقية، تتجاوز أداء الواجب الأخلاقي. لا يهتم الفيلم بالتفريق بين تنويعات نظرية الفضيلة الثلاثة التي ناقشناها في الفقرات السابقة - الخيارات (2) و(3) و(4) - لكنه يفند الخيار (1) بكل حسم.
قدرة الفيلم على الإقناع الفلسفي تكمن في الطريقة العفوية غير العاطفية التي يجسد بها الانتصار الأخلاقي الصغير الذي يحققه إيجور. ربما كان السبيل الأمثل لتناول هذه المسألة هو النظر إلى الفيلم باعتباره دليلا فلسفيا على ما هو ممكن من منظور نظري يرتبط بالفضيلة. من الممكن تشكيل شخصية أخلاقية قوية حتى في ظل ظروف غاية في الصعوبة مثل هيمنة أب مستبد خسيس، وإحساس بالمسئولية والذنب، وهشاشة اجتماعية، وخوف من القانون. ربما لا تكون ردة فعل أبناء الخامسة عشرة في أغلب الأحيان إزاء التحديات التي يواجهها إيجور على النحو الذي كانت عليه ردة فعله إزاءها. لكنهم قادرون على ذلك. وعندما تصدر ردة الفعل هذه عنهم، يتضح دون شك أنهم حققوا أمرا بالغ القيمة؛ ومن ثم يستدعي الفيلم أفكارا بديهية حول قيمة الفضائل الأخلاقية المكتسبة، وهي أفكار في غاية القوة (إذ تفرض علينا تأثيرا قويا) ومفعمة بالحيوية (من الصعب تخيل شخص عاقل لا يتأثر بالفيلم على النحو الذي تأثرنا به). يحقق الفيلم هذا دون أن يسرف في استخدام سرد يتلاعب بالمشاهدين أو تقنيات سينمائية مؤثرة. إن التعاطف الذي نشعر به أثناء مشاهدة الفيلم واضح، ولم يفتعله صناع الفيلم بجعلهم شخصية إيجور شخصية ذات جاذبية أو سحر خاص، أو جعل شخصية أسيتا امرأة ودودة ومحبوبة إلى حد استثنائي. لا يركز الفيلم على المظاهر الخارجية لتحول إيجور باستخدام أي علامات مرئية أو موسيقية ، وينجح في تحقيق غرضه لأنه يعرض عرضا واضحا وبسيطا إلى حد كبير كيفية تحول أحد الأشخاص. إن الاكتفاء بوصف الفضائل الأخلاقية وتأثيراتها الإيجابية في الدراسات الفلسفية لا يمكن أن يحقق ما حققه فيلم «الوعد»، فلا يمكن أن يقدم دفاعا مقنعا عن قيمة وجمال الانحياز للصواب بنفس التأثير البديهي الذي يحققه هذا الفيلم الفطن البعيد عن العاطفية.
فضائل إيجور
ينمو إيجور أخلاقيا على مدار الفيلم، لكن كيف تأتى له هذا؟ لقد أصبح شخصا يتمتع بمزيد من الفضائل، لكن أي فضائل تحديدا اكتسبها؟ لدينا ثلاث فضائل رئيسية: الشجاعة والكرم والنزاهة. من المهم ملاحظة أن المسار الذي سلكه إيجور مسار صعب. أولا: كان عليه تحدي أبيه المتنمر. كان عليه التعامل مع تهديداته ومع توسلاته له على الهاتف فيما بعد (الدقيقة 6 من الساعة الثانية). واضطر إلى مواجهته جسديا، وكان ليتعرض لضرب مبرح لولا تدخل أسيتا في الوقت المناسب. يتطلب هذا شجاعة ملحوظة من فتى لا حول له ولا قوة، في الخامسة عشرة من عمره، يدرك مدى التهور الذي أضحى عليه أبوه، وما يقدر على فعله. الصعوبة الثانية التي واجهها إيجور هي تحديد علاقته مع أسيتا، فهي تصعب الأمور عليه، ولا تستجيب استجابة ودية لما يبذله من محاولات لمساعدتها. فعندما يغادر ويصحبها معه في شاحنة أبيه، تهدده بشفرة (الدقيقة 57)، وتزجره بحسم عندما يحاول فيما بعد عناقها بينما تنهمر الدموع من عينيه (الدقيقة 4 من الساعة الثانية). (بالتأكيد تساءلت متعجبة عما اعترى هذا الطفل الغريب.) لقد أصبح طفلها مريضا وتفاقم مرضه؛ ما يدفعها إلى مهاجمة إيجور وقذفه بالحجارة (حجارة صغيرة في الواقع، مجرد حصى) واتهامه بأنه نقل إلى طفلها عدوى المرض متعمدا (الدقيقة 8 من الساعة الثانية). (يستمر تعاطف الجمهور مع أسيتا دون تراجع لأنه قائم على تفهم مدى خطورة وشدة موقفها، والهشاشة التي يفرضها عليها، وقائم كذلك على الإعجاب بسعة حيلتها وإصرارها ومرونتها (وهي سمات أقل ما توصف به أنها مذهلة). في بداية اليوم الذي يشهد هذه الأحداث يرى المشاهدون (في حدث لا يراه إيجور) بلطجيا بلجيكيا يتبول عليها من أعلى جسر (الدقيقة الأولى من الساعة الثانية)؛ لا بد أنها بلغت أقصى حدود التحمل.) لا يدع إيجور هجوم أسيتا عليه يعوق تركيزه على ضرورة مساعدتها ومساعدة طفلها؛ فالشخص الكريم هو من يركز انتباهه بحكمة على حاجات الآخرين. فاحتياجات الآخرين هي محور تركيزه، وهو قادر على الاحتفاظ بهذا التركيز رغما عما يواجه من الإلهاءات. ليس الشخص الكريم من يساعد الآخرين عندما تكون مساعدتهم سهلة ومجزية، بل هو من يساعد وقتما تصعب المساعدة، ويسهل على المرء أن يتشوش ذهنيا، ويشعر بالاستياء، ويتهرب متحججا بعذر.
الصعوبة الثالثة التي يواجهها إيجور تتعلق بالحقيقة، وهنا تلعب فضيلة النزاهة دورا؛ لقد كذب إيجور على أسيتا حول مصير زوجها، وأخبرها مرارا وتكرارا أن حميدو هرب إلى مكان لا يعرفه. وحتى المشهد الأخير من الفيلم، كان إيجور يساعد أسيتا تحت ستار كذبته؛ فقد مكنته هذه الكذبة من مساعدتها. ولو قرر إخبارها بالحقيقة، فربما رفضت مساعدته، لكن من المستبعد أن يكون ذلك هو الدافع الوحيد وراء كذبته. على الأرجح ثمة دافع آخر وهو التهرب من ردة فعلها، أو بعبارة أخرى من غضبها وازدرائها واحتقارها المحتمل. تثير المواجهة الجسدية بين إيجور وأبيه هذا السؤال المتعلق بإخبار أسيتا بالحقيقة. في البداية يخبر أباه: «علينا إخبارها بالحقيقة. تعال معي، سوف أخبرها بنفسي» (الدقيقة 21 من الساعة الثانية). لكن ردة فعل روجر هي مطاردته وطرحه أرضا والشروع في ضربه، وهي اللحظة التي تتدخل فيها أسيتا، وتضرب روجر على رأسه. يقيد إيجور أباه الذي فقد الوعي، وعندما يستعيد وعيه يحاول إغواء ابنه، فيعرض عليه أن يمنح أسيتا مالا وحرية الذهاب لأي مكان ترغب فيه (ما دامت، كما نفهم ضمنا، لم تخبر بحقيقة ما حدث لحميدو). فيما يلي الحوار الذي دار بعد ذلك بين الأب وابنه:
Halaman tidak diketahui