Singing and Musical Instruments in Light of the Quran, Sunnah, and the Companions' Traditions
الغناء والمعازف في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة ﵃ -
Penerbit
مطبعة سفير
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الغناء والمعازف في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة ﵃
تقديم معالي العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
تقديم معالي العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته/ وبعد: فقد تصفحت الرسالة المذكورة، فوجدتها مفيدة في موضوعها، مستوفية للأدلة من الكتاب والسنة، وكلام أهل العلم في تحريم الغناء والمعازف، والرد على من استباح ذلك، فجزاكم اللَّه خيرًا على ما قمتم به من واجب النصيحة، والرد على من خالف من غير دليل. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء ٢/ ١٠/ ١٤٣١هـ
تقديم معالي العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته/ وبعد: فقد تصفحت الرسالة المذكورة، فوجدتها مفيدة في موضوعها، مستوفية للأدلة من الكتاب والسنة، وكلام أهل العلم في تحريم الغناء والمعازف، والرد على من استباح ذلك، فجزاكم اللَّه خيرًا على ما قمتم به من واجب النصيحة، والرد على من خالف من غير دليل. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء ٢/ ١٠/ ١٤٣١هـ
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فقد ظهر بعض القُرَّاءِ للقرآن الكريم في النصف الثاني من هذا العام ١٤٣١هـ يفتي بجواز الغناء، والموسيقى، وفتن نفسه، وفتن غيره من ضعفاء العلم والإيمان من الناس، والعياذ باللَّه، وليته شكر اللَّه تعالى على ما أعطاه من إجادة حروف القرآن، وحسن الصوت في قراءته، وليته سأل اللَّه العلم والعمل بالقرآن على الوجه الذي يرضيه ﷾، وليته ردَّ هذا الأمر إلى القرآن الذي أتقن حفظ حروفه، وإلى سنة النبي ﷺ، فقد أمر اللَّه بالردِّ إليهما عند التنازع، وليته استفاد من علماء عصره المحققين، أمثال الإمام ابن باز ﵀، والعلامة ابن عثيمين ﵀، ومفتي عام المملكة، وأمثالهم من أهل العلم الراسخين المخلصين، ولكن قدّر اللَّه، وما شاء فعل، واللَّه يعفو عنا وعنه.
وقد كتبت هذه الرسالة «الغناء والمعازف في ضوء الكتاب والسنة، وآثار الصحابة» ردًَّا عليه، وعلى أمثاله، وقد بيّنت فيها بالأدلّة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وأعلام التابعين، والأئمة الأربعة، وغيرهم من أهل العلم المحققين تحريم الأغاني والمعازف، كما بيّنت ما يجوز من الغناء المباح، وقد قسمت هذه الرسالة إلى
1 / 3
المباحث الآتية:
المبحث الأول: مفهوم الغناء والمعازف.
المبحث الثاني: تحريم القول على اللَّه بغير علم.
المبحث الثالث: تحريم الغناء بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة.
المبحث الرابع: الوعيد الشديد لأهل الغناء والمعازف.
المبحث الخامس: أسماء الغناء والمعازف وآلات اللهو.
المبحث السادس: مسائل مهمة في الغناء والمعازف والمزامير.
المبحث السابع: أضرار الغناء ومفاسده.
المبحث الثامن: ما يباح من الغناء.
المبحث التاسع: الردُّ على من ضعّف أحاديث الغناء.
المبحث العاشر: الفتاوى المحققة في الأغاني والمعازف، وآلات اللهو.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀.
واللَّهَ أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، مباركًا، نافعًا، صوابًا، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العليّ العظيم.
وصلى اللَّه وسلّم وبارك على عبده، ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
حرر بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق ٨/ ٨/١٤٣١هـ.
1 / 4
المبحث الأول: مفهوم الغناء والمعازف
الغناء: التطريب، والترنم بالكلام الموزون وغيره، ويكون مصحوبًا بالموسيقى وغير مصحوب، والأغنية: ما يترنم به من الكلام، والجمع: أغاني، وغنَّى: طرّب، وترنّم بالكلام الموزون، وغيره (١).
والغناء: هو المعروف بين أهل اللهوِ واللعب (٢).
والغِناء من الصوت: ما طُرِّب به ... ويقال: غنَّى فلانٌ يُغنِّي أُغنية، وتغنَّى بأغنية حسنة، وجمعها الأغاني (٣).
والغناء اصطلاحًا: هو ترديد الصوت بالشعر ونحوه بالألحان، أما التغنِّي فهو الترنّم (٤).
والمعازف: يقال: عزف عزفًا: لَهَا، والمعازف: الملاهي، وواحد المعازف: عزْف على غير قياس، والملاعب التي يضرب بها، يقولون للواحد: عزْف، والجمع: معازف.
العزف: اللعب بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يُضرب، وكلُّ لعب عزف، والعازف: اللاعب بها والمُغَنِّي (٥).
_________
(١) المعجم الوسيط، مادة: (غَنِيَ)، ص ٦٦٤.
(٢) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة (غناء)، ٣/ ٣٩٢.
(٣) لسان العرب، لابن منظور، ١٥/ ١٣٩.
(٤) معجم لغة الفقهاء، محمد روَّاس، ص ٣٠٣، وانظر: القاموس الفقهي، لسعدي أبو جيب، ص ٢٧٨.
(٥) لسان العرب لابن منظور، مادة (عزف)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة (عزف).
1 / 5
وقيل: عزف - بفتح فسكون-: مصدر عزف: اللعب بآلات العزف: أي الموسيقى: كالعود، والطنبور، ونحوهما (١).
_________
(١) معجم لغة الفقهاء للرواس، مادة (عزف)، ص ٢٠٨.
1 / 6
المبحث الثاني: تحريم القول على الله بغير علم
يظهر بعض الناس في كلّ زمان فيتكلمون، ويُفتون بغير علم، ولا هُدىً، ويخالفون الكتاب، والسنة، وأصحاب النبي ﷺ، والأئمة الأعلام من المحققين من علماء الإسلام، حتى في بعض المسائل العظيمة التي لو عرضت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁، لجمع لها أهل بدر، والمهاجرين، والأنصار؛ لخشيته لله، ومراقبته له ﷿، وهذا يدل على عدم خشيتهم لله تعالى، وأنهم من أجهل الناس، ويجهلون ما جاء في الكتاب الكريم، وسنة النبي ﷺ من تحريم القول على الله بغير علم:
١ - قال اللَّه تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (١)، ومعنى القول على اللَّه بغير علم: أي بغير دليل صريح من كتاب أو سنة صحيحة صريحة، سواء كان ذلك في أصول الدين، أو فروعه.
٢ - وقال اللَّه ﷿: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ
_________
(١) سورة الأعراف، الآية: ٣٣.
1 / 7
وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (١).
٣ - وقال ﷾: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ
بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (٢).
٤ - وقال اللَّه ﵎: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (٣).
٥ - وقال ﷾: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ (٤)، فقد جعل الله من شرَّع للناس شيئًا من الدين لم يشرعه اللَّه شريكًا له في تشريعه، ومن أطاعه في ذلك فهو مشرك باللَّه تعالى شرك الطاعة.
_________
(١) سورة النحل، الآيتان: ١١٦ - ١١٧.
(٢) سورة البقرة، الآيتان: ١٦٨ - ١٦٩.
(٣) سورة يونس، الآيتان: ٥٩ - ٦٠.
(٤) سورة الشورى، الآية: ٢١.
1 / 8
٦ - وعن عبد اللَّه بن عمرو ﵄، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، وفي لفظ للبخاري: «... حتى إذا لم يبق عالم ...» الحديث (١).
وقد ظهر في هذا الزمان من القول على اللَّه بغير علم الكثير من الناس إلا من عصم اللَّه بالتوبة: فهذا يقول: لا بأس بالاختلاط
بين الرجال والنساء في المدارس، والجامعات في الدراسة، وفي الوظائف في المستشفيات وغيرها، وهذا يفتي بجواز خلوة الرجل السائق بالمرأة، وليس معهما أحد، وذاك يقول بجواز سفر المرأة بدون محرم، والآخر يبيح الربا في البنوك باسم المساهمات، أو الفوائد، وذاك يجيز الاقتراض من البنوك بفوائد، وآخر يجيز قيادة المرأة للسيارة، واختلاطها برجال المرور وغيرهم، وآخر يجيز تصوير المرأة، ونشر صورتها، وآخر يجيز الصلاة في البيوت، ولا
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، بابٌ: كيف يقبض العلم، برقم ١٠٠، ورقم ٣٧٠٣، ومسلم، واللفظ له، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، برقم ١٣ - (٢٦٧٣).
1 / 9
يرى وجوب صلاة الجماعة على الرجال القادرين، وآخر يبيح الغناء والمزامير، وغير ذلك، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون»، وهذا يذكرنا بقول سفيان بن عيينة: «كان يُقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله يخشى الله، ليس بعالم بأمر الله، وعالمٌ بالله، عالم بأمر الله، يخشى الله، فذاك العالم الكامل، وعالم بأمر الله، ليس بعالم بالله، لا يخشى الله، فذلك العالم الفاجر» (١).
_________
(١) سنن الدارمي: ١/ ٨٦، برقم ٣٦٩.
1 / 10
المبحث الثالث: تحريم الغناء من الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء
أولًا: القرآن الكريم يُحرِّم الأغاني والملاهي، ويُحذِّر منها، ومن ذلك ما يأتي:
١ - قال اللَّه تعالى للشيطان: ﴿اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ (١).
قوله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ (أي: استخف واستجهل (٢)، قال مجاهد في قوله: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ (: قال: باللهوِ والغِناء، وقال ابن عباس ﵄: «صوته: كل داعٍ دعا إلى معصية الله ﷿».
قال الإمام ابن جرير ﵀: «وأولى الأقوال بالصحة أن يُقال: إن اللَّه ﵎ قال لإبليس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولم يخصِّص من ذلك صوتًا دون صوت، فكلّ صوت كان دعاء إليه، وإلى عمله وطاعته، وخلافًا للدعاء إلى طاعة اللَّه، فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله ﵎ اسمه له: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ» (٣). وهذا
_________
(١) سورة الإسراء، الاية: ٦٣ - ٦٤.
(٢) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، ١٧/ ٤٩٠ - ٤٩١.
(٣) المرجع السابق، ١٧/ ٤٩٠ - ٤٩١.
1 / 11
يدل على أن كل داعٍ دعا إلى معصية اللَّه ﷿ من صوت الشيطان (١)، سواء كان ذلك من اللعب المحرم، أو اللهو والغناء المحرم، أو من المزامير، والموسيقى، وأصوات المسلسلات والطبول، والربابة، وغير ذلك من الأصوات، والله
تعالى أعلم.
وقال الإمام البغوي ﵀: «(.. بصوتك) قال الأزهري: معناه: ادعهم دعاءً تستفزّهم به إلى جنابك، أي: تستخفّهم» (٢)، وقال الضحاك: صوت المزمار، وقيل: «بصوتك»: بوسوستك» (٣)، والصواب أن صوت الشيطان يشمل كل ما تقدم، واللَّه أعلم.
٢ - قال اللَّه ﷿: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ
_________
(١) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ٩/ ٣٩، الطبعة الأولى، دار عالم الكتب، ١٤٢٥هـ، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية.
(٢) تفسير البغوي (المسمى معالم التنزيل) للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود، البغوي، ت ٥١٦هـ، تحقيق: خالد العك، ومروان كجك، ط١، دار المعرفة، ٣/ ١٢٣. وانظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص ٥٣٧، ط٢، دار السلام، ١٤٢٢هـ.
(٣) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ١٠/ ٢٩٣، دار الحديث، ط١، ١٤١٤هـ.
1 / 12
سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (١).
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
قيل: «من يشتري الشراء المعروف بالثمن».
وقيل: «بل معنى ذلك: من يختار لهو الحديث ويستحبّه» (٢).
وقيل: «أي يستبدل ويختار الغناء، والمزامير، والمعازف على القرآن» (٣).
وقيل: «يشتري» أي يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء» (٤).
وأما قوله تعالى: «لَهْوَ الْحَدِيثِ»، فقال عبد اللَّه بن مسعود ﵁:
«الغناء والذي لا إله إلا هو، يُرَدِّدُها ثلاث مرات» (٥).
وقال عبد الله بن عباس ﵄: «الغناء وأشباهه»، وفي رواية عنه: «شراء المغنية»، وفي رواية عنه أيضًا، قال: «باطل الحديث: هو الغناء ونحوه» (٦).
وقال جابر بن عبد اللَّه ﵄: «هو الغناء، والاستماع له» (٧).
وفسَّر الإمام مجاهد ﵀ (لَهْوَ الْحَدِيثِ) بـ (الغناء)، وفي
_________
(١) سورة لقمان، الآيتان: ٦، ٧.
(٢) تفسير الطبري، ٢٠/ ١٢٦، فقد ذكر جميع هذه المعاني السابقة.
(٣) تفسير البغوي، ٣/ ٤٩٠.
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص ٧٥٩.
(٥) الإمام الطبري بإسناده في جامع البيان، ٢٠/ ١٢٧.
(٦) جامع البيان للطبري، ٢٠/ ١٢٧ - ١٢٨، وقد ذكر هذه الآثار بأسانيده المتصلة إلى ابن عباس ﵄.
(٧) المرجع السابق بإسناده، ٢٠/ ١٢٨.
1 / 13
رواية عنه: «المغني، والمغنية بالمال الكثير، أو الاستماع إليه، أو إلى مثله من الباطل»، وفي رواية عنه: «عَنَى باللهو: الطبل» (١).
وفسَّر عكرمة ﵀ (لَهْوَ الْحَدِيثِ) بالغناء (٢).
وفسَّر الضحاك ﵀ (لَهْوَ الْحَدِيثِ) بالشرك (٣).
قال الإمام الطبري ﵀: «والصواب من القول في ذلك أن يُقال: عَنَى به كلَّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل الله ممّا نهى اللَّه عن استماعه، أو رسوله [ﷺ]؛ لأن الله تعالى عمَّ بقوله: «لَهْوَ الْحَدِيثِ»، ولم يُخَصِّصْ بعضًا دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك» (٤).
وقال الإمام ابن كثير ﵀ في تفسير هاتين الآيتين:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ*وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (٥).
لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب اللَّه، وينتفعون بسماعه، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
_________
(١) جامع البيان، للطبري، ٢٠/ ١٢٨ - ١٢٩ بأسانيده.
(٢) المرجع السابق، ٢٠/ ١٢٩ بإسناده.
(٣) جامع البيان، ٢٠/ ١٢٩.
(٤) المرجع السابق، ٢٠/ ١٣٠.
(٥) سورة لقمان، الآية: ٦.
1 / 14
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (١)، عطف بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام اللَّه، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان، وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ قال: هو - واللَّه-الغناءُ.
قال ابن جرير: حدثني يونس [بن عبد الأعلى]،أخبرنا ابن وهب، أخبرني يزيد عن يونس، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، أنه سمع عبد الله بن مسعود ﵁ وهو يُسأل عن هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ - فقال عبد الله: الغناء، واللَّه الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
حدثنا عمرو بن علي، حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا حُمَيْد الخرّاط، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء: أنه سأل ابن مسعود عن قول اللَّه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ قال: الغناء.
وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعِكْرِمة، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بَذيمة.
وقال الحسن البصري: أُنزلت هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ في الغناء
_________
(١) سورة الزمر، الآية: ٢٣.
1 / 15
والمزامير.
وقال قتادة: قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾: واللَّه لعله لا ينفق فيه مالًا، ولكنْ شراؤه استحبابه، بحَسْب المرء من الضلالة أن يختارَ حديثَ الباطل على حديث الحق، وما يضرّ على ما ينفع.
وقيل: عنى بقوله: ﴿يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾: اشتراء المغنيات من الجواري ...
وقال الضّحّاك في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ يعني: الشرك، وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ واختار ابن جرير أنه كل كلام يصدُّ عن آيات اللَّه، واتّباع سبيله.
وقوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله، وعلى قراءة فتح الياء، تكون اللام لام العاقبة، أو تعليلًا للأمر القدري، أي: قُيِّضوا لذلك ليكونوا كذلك.
وقوله: ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ قال مجاهد: ويتخذ سبيل اللَّه هزوًا، يستهزئ بها.
وقال قتادة: يعني: ويتخذ آيات اللَّه هزوًا. وقول مجاهد أولى.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أي: كما استهانوا بآيات اللَّه وسبيله، أُهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ أي: هذا المقبل على اللهو واللّعب والطرب، إذا تُليت عليه الآيات القرآنية، ولَّى عنها، وأعرض وأدبر وتَصَامّ وما به من صَمَم، كأنه ما يسمعها؛ لأنه يتأذّى بسماعها، إذ لا
1 / 16
انتفاع له بها، ولا أرَبَ له فيها، ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي: يوم القيامة يؤلمه، كما تألمَّ بسماع كتاب اللَّه وآياته (١).
وقال الإمام القرطبي ﵀ في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (٢) (من) في موضع رفع بالابتداء، و«لَهْوَ الْحَدِيثِ» الغناء في قول ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما، ثم بسط الكلام في تفسير هذه الآية، ثم قال: المسألة الثانية: وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين
به، الذي يحرِّك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون، الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يُشبَّب (٣) فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمور والمحرّمات، لا يختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح: كالعرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان في حفر الخندق، وحدو أنجشة، وسلمة بن الأكوع، فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع الأغاني بالآلات المطربة من الشبّابات، والطار، والمعازف، والأوتار فحرام». انتهى (٤).
قال شيخنا الإمام ابن باز ﵀ معلقًا على كلام القرطبي هذا:
_________
(١) تفسير القرآن العظيم، ١١/ ٤٥ - ٤٦.
(٢) سورة لقمان، الآية: ٦.
(٣) التَّشْبِيبُ: تَرقيقُ الشعر بذكر النِّساء. انظر: النهاية في غريب الحديث،٢/ ١٠٧٤،مادة (شبب).
(٤) الجامع لأحكام القرآن، ١٤/ ٥٧.
1 / 17
«وهذا الذي قاله القرطبي كلام حسن، وبه تجتمع الآثار الواردة في هذا الباب» (١).
٣ - وقال اللَّه تعالى: ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾ (٢).
قال الإمام الطبري ﵀: «أفمن هذا القرآن أيها الناس تعجبون، أنْ نَزَلَ على محمد ﷺ، وتضحكون منه استهزاءً به، ولا تبكون مما فيه من الوعيد لأهل معاصي اللَّه، وأنتم من أهل معاصيه (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) يقول: وأنتم لاهون عما فيه من العِبر والذكر، معرضون عن آياته; يُقال للرجل: دعْ عنا سُمودَك، يُراد به: دَعْ عنَّا لهوك، يقال منه: سَمَدَ فلان يَسْمُد سُمُودًا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه، فقال بعضهم: غافلون، وقال بعضهم: مُغنّون ...» (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾، قال ابن عباس ﵄: «هو الغناء، وهي يمانية: يقولون: اسمد لنا: تغَنَّ لنا»، وفي رواية عن ابن عباس ﵄ قال: «السامدون: المغنُّون بالحميرية»، وكذا قال عكرمة، وقال الضحاك: «السمود: اللهو واللعب» (٤).
_________
(١) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، ٢١/ ١١٠ - ١١١.
(٢) سورة النجم، الآيات: ٥٩ - ٦١.
(٣) جامع البيان، ٢٢/ ٥٥٩.
(٤) جامع البيان،٢٢/ ٥٦٠ - ٥٦١، بأسانيده المتصلة، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير،١٣/ ٢٨٤.
1 / 18
وقال الإمام البغوي ﵀: «وقال عكرمة [عن ابن عباس]: هو الغناء بلغة أهل اليمن، وكانوا إذا سمعوا القرآن تغنَّوا ولعبوا» (١)، يعني المشركين، وقال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس ﵄: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾ قال: «الغناء، هي يمانية: اسمد لنا: غَنِّ لنا» (٢).
والسمد كما تقدم: الغفلة، واللهو، ويدخل في ذلك الغناء (٣).
٤ - قال اللَّه ﷿: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (٤).
قوله: ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، قال الضحاك: «الشرك، وقال مجاهد: لا يسمعون الغناء، وقال ابن جريج: هو قول الكذب».
قال الإمام الطبري ﵀: «فإذا كان ذلك كذلك، فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يُقال: والذين لا يشهدون شيئًا من الباطل: لا شِركًا، ولا غِناءً، ولا كذبًا ولا غيره، وكلّ ما لزمه اسم الزور؛ لأن الله عمّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يُخَصَّ من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر
أو عقل» (٥).
_________
(١) تفسير البغوي، ٤/ ٢٥٧، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ١٧/ ١٢٠.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ١٣/ ٢٨٤.
(٣) انظر: المرجع السابق، ١٣/ ٢٨٤.
(٤) سورة الفرقان، الآية: ٧٢.
(٥) تفسير الطبري، ١٩/ ٣١٤.
1 / 19
وقال الإمام ابن كثير ﵀: «﴿لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ قيل: هو الشرك، وعبادة الأصنام، وقيل: الكذب، والفسق، واللغو، والباطل، وقال محمد بن الحنفية: «لا يَشْهَدُونَ»: اللهو والغناء ...» (١).
٥ - قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ (٢).
قال الإمام ابن جرير ﵀: «﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ﴾، يعني: بيت الله العتيق «إلاّ مُكاءً»، وهو الصفير ... وقد قيل: إن (المكو): أن يجمع الرجل يديه، ثم يدخلهما في فيه، ثم يصيح، ويُقال منه: «مَكت است الدابة مُكاءً»، إذا نفخت بالريح، ويقال: «إنه لا يمكو إلا استٌ مكشوفة»؛ ولذلك قيل للاست: (المَكْوة)، سُمِّيت بذلك (٣).
وأما «التصدية»، فإنها التصفيق، يُقال: «صدَّى يُصدِّي تصديةً»، و«صفَّق»، و«صفّح»، بمعنىً واحد (٤).
قال عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر ﵃: «المكاء»: التصفير، و«التصدية»: التصفيق» (٥).
_________
(١) تفسير القرآن العظيم، ١٠/ ٣٣١، وتفسير البغوي، ٣/ ٣٧٨.
(٢) سورة الأنفال، الآية: ٣٥.
(٣) قال العلامة محمود محمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري، ١٣/ ٥٢١: «وتمام سياقه أن يقال: «سُمِّيت بذلك لصفيرها».
(٤) جامع البيان الطبري، ١٣/ ٥٢١ - ٥٢٢.
(٥) المرجع السابق بأسانيده المتصلة، ١٣/ ٥٢٢ - ٥٢٤.
1 / 20
وقال بذلك: مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والضحاك، وقتادة، وابن زيد (١)، وعكرمة، وأبو رجاء العطاردي، ومحمد بن كعب القرظي، وحجر بن عنبس ... وزاد مجاهد: وكانوا
يدخلون أصابعهم في أفواههم (٢).
قال ابن كثير: «وقال السدي: المُكَاء: الصفير ... والتصدية: التصفيق، وقال ابن عباس: كانت قريش تطوف بالكعبة عراة تُصفِّرُ وتُصفِّق، والمكاء: الصفير، وإنما شبهوا بصفير الطير، وتصدية التصفيق ... قال قُرَّة: وحكى لنا عطية فعل ابن عمر، فصفَّر ابن عمر، وأمال خدّه، وصفَّق بيديه، وعن ابن عمر أيضًا أنه قال: كانوا يضعون خدودهم على الأرض، ويُصَفِّقُون ويُصَفِّرُون ... وقال عكرمة: كانوا يطوفون بالبيت على الشمال، وقال مجاهد: وإنما كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي ﷺ صلاته، وقال الزهري: يستهزئون بالمؤمنين» (٣).
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي: «﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ أي: صفيرًا وتصفيقًا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها، فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟ فبأي: شيء كانوا أولى بهذا البيت من المؤمنين الذين هم
_________
(١) انظر: جامع البيان، ١٣/ ٥٢٥ - ٥٢٧.
(٢) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ٧/ ٧١.
(٣) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ٧/ ٧١ - ٧٢.
1 / 21