Silsilat Al-Adab - Al-Munjid
سلسلة الآداب - المنجد
Genre-genre
حرمة إيذاء الجار والأمر بالإحسان إليه
وقال ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) والإيذاء أنواعه كثيرة، وإيذاء الجار حرام، وسنأتي على بعض أنواع الإيذاء، وقال ﷺ أيضًا: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) فذكر الإحسان وعدم الإيذاء حتى تكتمل القضية من طرفين: إحسان وعدم إيذاء؛ لأن عدم الإيذاء لا يتضمن الإحسان، أي: أنت ممكن لا تؤذي لكن لا تحسن، فليس المطلوب فقط أنك لا تؤذي، ولكن أن تحسن أيضًا.
أما الإحسان فهو ينافي الإيذاء، أي: إذا قال أحسن، فواضح أنه لا تؤذي، لكن عندما قال: لا تؤذي، فقد أكد على هذا الجانب؛ لأنه يحصل أذية من الجيران لبعضهم، ولذلك أكد عليه من جهتين: الإحسان وعدم الإيذاء، لكن عدم الإيذاء لا يعني وجوب الإحسان.
والرسول ﷺ لما سألته عائشة ﵂ وقالت له: (يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا) رواه البخاري.
فالرسول ﷺ لما أمر بإكرام الجار عملت عائشة ﵂، وقد كان الزاد عندهم قليلًا، ولم يكونوا على سعة من العيش، وكانت تمر أيام كثيرة لا يوقد في بيت النبي ﵊ نار ولا هناك شيء يطبخ، وأرسل مرة في طلب طعام لضيفه فلم يجد إلا الماء، وأحيانًا يأتي لبن من هنا أو شيء من هنا، مما يهدى إلى النبي ﵊، فهم كانوا من جهة العيش ليسوا في سعة، فلما كان هذا، وربما يحضر عند عائشة القليل، والجيران كثر، قلنا: أربعون من كل جانب، فما الذي يسع هؤلاء الجيران الكثر؟ فلذلك سألته قالت: (إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا) وهذا أحد الأقوال في تفسير (والجار الجنب والجار ذي القربى) على أحد الأقوال، ولكن القول الأشهر: القربى صاحب القرابة النسبية.
وقال ﵊: (خير الجيران عند الله خيرهم لجاره) رواه الترمذي وهو حديث حسن.
و(خيرهم لجاره) أي: في النفع والدفع، فهو ينفعه ويدفع عنه ما يؤذيه، فهذا خير الناس وأكثرهم ثوابًا، وأكرمهم منزلة عند الله ﷾.
4 / 9