Silsilat Al-Adab - Al-Munjid
سلسلة الآداب - المنجد
Genre-genre
جملة من الآداب في باب الأكل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فحديثنا في هذه الليلة أيها الإخوة عن أدبٍ آخر من الآداب الشرعية، وهو أدبٌ نحتاج إليه باستمرار، ألا وهو: (أدب الأكل)، أو: (آداب الطعام)، وهذا الأدب من الآداب التي أطال العلماء في شرحها؛ نظرًا لكثرة الآثار الواردة فيها والأحاديث والنصوص الشرعية، وقد سبق أن قلنا: إن الشريعة تهتم بجميع نواحي حياة الإنسان، وكلما كانت الناحية أكثر وجودًا في حياة الشخص المسلم، كانت الشريعة أكثر تطرقًا لما يتعلق بهذا الأدب من التفصيلات.
أما بالنسبة إلى هذا الأدب فإننا نحتاج أن نلخص بعض فروعه قبل أن نبدأ في تفصيله، فنقول: والله المستعان.
إن آداب الطعام، أو آداب الأكل كثيرة؛ فمن آداب الأكل: أولًا: غسل اليدين قبله، لما رواه النسائي بإسنادٍ صحيح ورجاله رجال الشيخين، غير محمد بن عبيدة وهو صدوق، كان النبي ﷺ: (إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه) وهذا حديثٌ عزيزٌ جيد في هذه المسألة.
ثانيًا: تسمية الله ﷾ قبل الطعام، كما دلت عليه أحاديثٌ كثيرة، كقوله ﵊: (يا غلام! سم الله) وقد جاء صريحًا بلفظ: (يا غلام! إذا أردت أن تأكل فقل: باسم الله).
ثالثًا: أن يأكل بيمينه: لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: (وكل بيمينك).
رابعًا: أن يدنوا من الطعام: لقوله ﵇ في حديث الغلام أيضًا: (ادن يا بني).
خامسًا: أن يأكل مما يليه: لقول النبي ﵊ أيضًا: (وكل مما يليك).
سادسًا: الاجتماع على الطعام، وعدم الأكل متفرقين، لقوله ﷺ: (اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه) وينتج عن ذلك أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة كما رواه ابن ماجة وهو حديثٌ صحيح.
سابعًا وثامنًا: ألا يمسح يده بالمنديل أو بغيره حتى يَلعِقها، أو يُلعقها كما جاء عند النسائي وهو حديثٌ صحيح: (إذا أكل أحدكم الطعام فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعِقها، ولا يرفع الصفحة حتى يلعقها فإن آخر الطعام فيه البركة) وهذا هو الأدب الثامن، والذي قبله لعق الأصابع، والثامن: لعق الإناء.
فإن آخر الطعام فيه البركة.
تاسعًا: إذا سقطت اللقمة ألا يتركها لقوله ﵊ في الحديث الصحيح: (إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده، فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها للشيطان).
عاشرًا: انتظاره حتى يذهب فوره ودخانه، كما قال ﵊ في الحديث الصحيح: (إنه أعظم للبركة) يعني: الطعام الذي ذهب فوره.
الحادي عشر: عدم النفخ في الطعام، وقد يكون لهذا أضرار لا نعلمها.
الثاني عشر: الأكل من جوانب الطعام كما قال ﵊: (كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها -أي وسطها- يبارك لكم فيها) وقال ﷺ: (كلوا باسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها) وقال أيضًا في الحديث الصحيح: (إن البركة وسط القصعة فكلوا من نواحيها ولا تأكلوا من رأسها).
الثالث عشر: أن يجلس على الأرض؛ لأنه ﷺ قال في الحديث الصحيح: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد؛ فإنما أنا عبد) وقال أيضًا في الحديث الآخر: (آكل كما يأكل العبد، فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء).
الرابع عشر: إذا أتاه خادمه بالطعام أن يناوله منه؛ لأن النبي ﷺ قال في الحديث الصحيح (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه؛ فليجلسه معه -يعني إجلاس الخدم معهم- فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين).
إذًا: بما أن الخادم قد شق عليه عمل الطعام، وهو الذي قد جاءه من حره ودخانه فمن المكافأة له وقد اشتهاه أن يجلسه معه، وهذا أيضًا فيه تواضع، بالإضافة إلى المكافأة على ما حصل له.
الخامس عشر: أنه إذا لم يعجبه شيءٌ من الطعام فإنه لا يتأفف ولا يتذمر وإنما يتركه فقط، كما جاء في الحديث: (إن اشتهاه أكله وإلا تركه) (ولما قدم الضب للنبي ﷺ ترك أكله، وقال: إنه لم يكن بأرض قومي؛ فأجدني أعافه).
السادس عشر: تفتيش التمر من الدود: فقد جاء في حديثٍ صحيح رواه أبو داود وغيره: (عن أنس أن النبي ﷺ كان يؤتى بالتمر فيه دودٌ، فيفتشه يخرج السوس منه).
السابع عشر: ما ذكره ﷺ في مسألة ما يقال بعد الأكل ولهذا أذكارٌ كثيرة سنأتي عليها إن شاء الله، ومنها: الحمد لله، وما يقال أيضًا: لصاحب الوليمة، إذا دعاك فأجبت دعوته وطعمت عنده فماذا تقول له؟ وهذا سيكون إن شاء الله في موضوع: آداب الوليمة، وإجابة الدعوة، لكن في آداب الأكل سنتطرق إلى الصيغ الواردة في حمد الله تعالى لأنها كثيرة.
الثامن عشر: أن الإنسان إذا طبخ لحمًا مثلًا فإن عليه أن يكثر المرق ويغرف منه للجيران، كما قال ﷺ: (إذا طبختم اللحم فأكثروا المرقة، فإنه أوسع وأبلغ للجيران) وقال أيضًا: (إذا طبخ أحدكم قدرًا فليكثر مرقها ثم يناول جاره منها) يعني من هذا المرق ومن هذا الطعام.
التاسع عشر: ماذا يفعل إذا وقع الذباب في الإناء، فإن النبي ﷺ قد أخبر عن أدبٍ يتعلق بذلك وهو قوله ﷺ: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) وفي رواية: (وإنه يقدم السمّ ويؤخر الشفاء، فإذا غمسه كله ذهب ذلك).
العشرون: كف الجشاء كما قال النبي ﷺ: (كف عنا جشاءك) وفي راوية: (أقصر من جشائك) وهو: الصوت الغليظ الصادر من الفم كما سبق بيانه.
الحادي والعشرون: تنظيف اليدين من بقايا الطعام، خصوصًا إذا أراد أن ينام، كما قال ﵊: (إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمرٍ -وهو رائحة اللحم ودسامة اللحم وزهومته ودهنه- فلم يغسل يده فأصابه شيءٌ فلا يلومن إلا نفسه).
الثاني والعشرون: أنه إذا وضع العَشاء وحضرت صلاة العِشاء، فإنه يقدم العَشاء ولا يعجل عن طعامه.
الثالث والعشرون: في طريقة الجلسة، أن يجلس ناصبًا اليمنى جالسًا على اليسرى، أو يجلس القرفصاء كما جاء أيضًا في رواية، ولا يجلس متكئًا، لأن النبي ﷺ قال: (أما أنا فلا آكل متكئًا).
الرابع والعشرون: النهي أن يأكل الرجل منبطحًا على بطنه لأنه قد ورد في الحديث الصحيح أيضًا: (النهي أن يأكل الرجل منبطحًا على بطنه).
الخامس والعشرون: عدم الشبع: لقوله في الحديث: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، حسب ابن آدم لقيماتٌ يقمنَ صلبه) وذم التوسع في ألوان الطعام والشراب.
السادس والعشرون: الأكل بثلاثة أصابع: فإنه قد ورد في الحديث الصحيح: (أنه ﵊ كأن يأكل بثلاثة أصابع، وكان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث).
السابع والعشرون: ألا يقرن بين تمرتين خصوصًا إذا شاركه غيره، لما جاء في الحديث أن النبي ﷺ: (نهى عن الإقران) وهو الجمع بين تمرتين ونحوها من الفواكه أو من الثمار التي تكون مفردة، فإنه لا يجمع بين حبتين منها، إلا أن يأذن له صاحبه، لأن في الحديث قوله: (إلا أن يستأذن الرجل أخاه).
الثامن والعشرون: النهي عن الجلوس على المائدة التي فيها محرم، وهذا من الأحكام، كما جاء في الحديث (أن النبي ﷺ نهى عن الجلوس على مائدةٍ يشرب عليها الخمر).
التاسع والعشرون: الاعتدال في الطعام، حتى في أنواعه، ويدل على ذلك أن النبي ﷺ: (كان يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا) وهذا يدل على اعتداله ﷺ في أنواع الأطعمة التي كان يتناولها.
الثلاثون: عدم أكل الثوم والبصل والكراث، ولا يقربن المسجد إذا أكل الثوم والبصل والكراث، وعدم أكله لمن أراد أن يأتي المسجد.
الواحد والثلاثون: الاعتناء بما دلت الشريعة على فضله من الأطعمة كالتمر، فإن النبي ﷺ قال: (بيتٌ لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه) وفي حديثٍ آخر: (بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله) وكذلك قال: (كلوا الزيت وادَّهنوا به) فالتمر إذًا قد ورد الاعتناء به، وكذلك زيت الزيتون المعروف، وكذلك الخل فقد قال: (نعم الإدام الخل) وما راق للإنسان أكله من الأطعمة بعد ذلك، كما كان النبي ﷺ -مثلًا- يعجبه الذراع والدباء -القرع- وهذا عائد إلى النفس.
وفي الاعتناء بالأطعمة التي ورد الشرع بها أيضًا: إكرام الخبز -عدم القائه والاستهانة به- فإنه قد قال: (أكرموا الخبز) ولم يصح النهي عن قطعه بالسكين، وإنما الذي ورد إكرامه، فلذلك لا يلقى، والإنسان لو رآه يعتني به أكثر من غيره، للأمر بالاعتناء بإكرامه، فإذا رآه ملقىً مثلًا أخذه فوضعه أو جعله في مكان مرتفع أو أطعمه للدواب أو نحو ذلك.
فهذه طائفة من آداب الطعام وشيء من الأحكام المتعلقة بها، وما يتعلق بالوليمة وآداب الدعوة والضيف، هناك أشياء مرتبطة بها مثل: الأطعمة ومثل: عدم سؤال صاحب الدعوة عن طعامه إذا كان مسلمًا، كأن يقول: من أين هذا؟ ومن أين اشتريته؟
9 / 2