أو تحصر بقياس من ذلك ما ذكره العلامة أبو حيان في وصيته لأولاده بقوله وعليكم بمطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلًا جديدًا ولله در القاضي ناصح الدين الأرجاني حيث يقول
إذا عرف الإنسان أحوال من مضى ... توهمته قد عاش من أول الدهر
وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشران أبقى الجميل من الذكر
فقد عاش كل الدهر من كان عالمًا ... كريمًا حليمًا فاغتنم أطول العمر
وقد لخص هذه الأبيات شيخ الاسلام البدر محمد ابن الغزي العامري بقوله
ومن عرف التاريخ أخبار من مضى ... وخلف علمًا أو جميلًا من الذكر
كمن عاش كل الدهر بالعز فاغتنم ... بعلم وجود في الدنا أطول العمر
ثم رأيت للارجاني أيضًا قوله
بالفكر في الأمم الماضين تحسبه ... كأنما عاش فيهم تلكم المددا
والذكر في الأمم الماضين ضيره ... كأنما هو موجود وما فقدا
فليس الأعلى ذا الوجه أن نظروا ... يصح معنى لقول المرء عش أبدا
ولما كان هذا العلم بهذه المثابة العظمى والمنزلة الرفيعة العليا ولم أر من ترجم أهل قرن الثاني عشر من هجرة خير البشر مع ما انطووا عليه من الفضائل وحووه من شرف الشيم وشريف الشمائل عن لي أن أسلك هاتيك المسالك وأكون في سبيل المؤرخين سالك فجمعت هذا التاريخ اللطيف الكامل في التعريف بحال الشخص والتوصيف واجتمع عندي جملة من الرحلات والأثبات والتراجم مع كثرة التنقير والتفحص الكثير والأخذ من الأفواه شفاها وبالمكاتبات إلى البلدان التي كنت لست أراها فكان عندي رحلة الوجيه عبد الرحمن بن محمد الذهبي ورحلة مؤرخ مكة الشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي والنفحة للأمين المحبي وذيلها للشمس محمد المحمودي وثبت العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المسمى لطائف المنة وتذكرته الأدبية ورحلة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الكبرى والصغرى الحجازية والقدسية وغير ذلك من المشيخات والمعاجم والأثبات مما يحتج به فلا يحتاج إلى برهان واثبات وحين تم جمع درره وتفويف حبره سمينه أخبار الاعصار في أخيار الأمصار ويليق أيضًا أن يسمى سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر والله اسأل فيه الحفظ عن الخطأ والخطل والتوفيق للصواب في القول والعمل أنه على ما يشاء قدير وبإجابة سائله حقيق وجدير وقد رتبته على
1 / 4