إن الزمان بمثله لبخيل ... هيهات أن يأتي الزمان بمثله فأقول: كان الفقيه نفع الله به وافر العقل، رصين الذهن، شديد الورع، عالما في كل فن من الفنون الدينية، درس في الابتداء على فقيه اليمن، وعلامة الزمن، إمام أهل العبادة المشهور بالتقى والزهادة حاتم بن منصور في الفقه حتى بلغ الغاية، فأقرأ فيه، ومن تلامذته فيه الشيخ الخضر بن الهرش(1) المعروف بالتدقيق، والتحقيق، والذكاء، والمعرفة الباهرة، وكان تلازمهما في الصحبة أمر مشهور، وكان في الفرائض وتدقيقها هو المشار إليه فيها حتى فاق في ذلك أهل عصره، وكان في سائر الفنون من الرجال المهرة، ولقد كنت أعجب من ذكائه وفطنته وفهمه في كل فن ومراجعته منه المراجعة الحسنة الواقعة، ثم اشتغل بكتاب الله تعالى فأتقنه غيبا، ثم طالع تفاسيره وكتب الصوفية فكان إماما في ذلك، ثم مع هذا، (فيتميز) (2) علم الشريعة والطريقة والحقيقة، ويقوم بكل واحد منهما علما وعملا بحيث جمعهما على أحسن وجه محمود الوفاق، ثم كثير التحنن على الإخوان، لا يغفل النظر في حوائجهم والعناية فيها بكل جهده ، وأما تحرزه وورعه فبلغ منه أنه قال لي: قد عزمت أني لا أريد آكل (العنب من)(3) لأجل تخليط المواريث، وكان لباسه الخشن من الصوف، وأما المأكل، فقال: إنه لايضره مع أنه قد تحققه في كثير من الأوقات غاية وأكثر وقته الصوم، وقال لي: إن الالتفاتة الواحدة قد تشغله عن قراءته، وذكره، وإقبال قلبه، وقطع الليل في العبادة كان دأبه، وقال لي في أوائل أمره: إنه يرى كأنه يطير، وكأنه في ربعة في الجو، أوشبه هذا وهو من بركة قراءته قل هو الله أحد فيما أظن، وقال(لي) (4) في انتهاء أمره: إنه يجد لذة في نفسه يختارها حتى على الجنة وعلى كل شيء، وقال: لا يجد في نفسه شيء من الشك في العقيدة، ولا تغير قلب علىمسلم، ولا يرضى أن أحدا يعاقب من أجله، وربما قال: لوكان الموت (يمكنه) (1) لفعله، وكان يذم نفسه كثيرا، وكان يذكر إنه بعد ما لزم الطريقة يشم رائحة طيب المرأة كأقبح ما يكون، وينفر عنه غاية إلى غير ذلك من الخصال الحسنة، نفع الله به آمين. آمين. آمين، تم كتاب الفقيه الذي (كتب)(2) إلي.
Halaman 231