وأما مودة إبراهيم الكينعى(له) (1): فكان(رضي الله عنه) (2) يوده مودة لله خالصة، قال يوما: نستغفر الله (من تقصيرنا) (3) في حق هذا الإمام، وكان يزوره في كل عام إلى ذمار، وإن كان في صنعاء ففي الشهر أو (في) (4) الشهرين زورة في الليل في خلوة خالية، ويقف عنده شطر الليل، وكان يذكر له أحوال الناس، ويسأله لإخوانه وللفقراء، فيقول له: وقع ماتشاء وسلمها إلى فلان من خدمه سهلت أو عسرت، جلت أو دقت، وشايعه، وتابعه، وجاهد معه، واغبرت أقدامه في الجهاد في غزاة حراز الباطنية، وكان فيها والسيد الإمام الناصر بن أحمد بن مطهر بن يحيى(5)، والفقيه الإمام على بن عبد الله بن أبي الخير(6) ، وفضلاء عدة، (كانوا)(1) في تلك الغزاة، وكان رحمه الله تعالى(2) معه في يوم المنقب وبيت غفر، وكان يخرب من البيوت والأطيان بيده المباركة، وكان معه يوم فتح حصن بيت أنعم، (فطلب) (3) الفقيه موافقة الإمام، قال له الإمام: نحن نأتي إليك أي وقت أحببت أو أحببنا أن نأتيك، فكان يزوره وهو في خيمة بعض أهل وده، فكان الإمام يأتيه ليلا (أو) (4) نهارا ويقف معه (شطر الليل والنهار) (5) يتذاكرون العلم، وكلام الصالحين، والأمور الأخروية، وإذا ذكر أحد حال الدنيا قال الإمام(عليه السلام) (6): حاشا هذا المقام (المبارك) (7) من ذكر الدنيا، قال إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى(8): ما وجدت في علم المعاملة، وعلوم أهل الحقيقة، ووظائف أهل الطريقة، ومكاشفات أهل الحقيقة، في وقتي هذا أعرف من الإمام الناصر- عليه السلام -أراني (كتبا) (9) غريبة في علوم الزهاد والعباد وحكايات الأوتاد مالم أره، منها:كتاب (قصائد ربانية) تدهش الألباب لفلان المصري، وكتاب (كيمياء السعادة) للغزالي، وأجزاء من (إحياء علوم الدين)، كان إبراهيم الكينعي-رحمه الله تعالى- يشتاق إلى رؤية الإمام، ووعظه، وحكمه، ولهذا يزوره، وكان يقسم رحمه الله تعالى(10) (أن) (11) إذا وافق الإمام ليقبل أخمص قدميه، فيقول الإمام: أنا أكفر عن يمينك، فيقول: لابد لي أن أفعل ويحب الإمام أن لا ينفره أو يضيقه، وكان يأخذ يد الإمام عليه السلام ويضعها على صدره، وإذا أكل معه أخذ لقمة وأشار بها إلى الإمام أن ينفث فيها(شيئا) (12) من ريقه ويقرأ عليها شيئا من القرآن، وكان يقول رحمه الله تعال(13) : حالة المسلمين قبل هذه الدولة المباركة كحالة اليهود في الذلة، لأنهم بذلة وصغار والمسلمون بها، (و) (1) لا تسلم لهم ثيابهم وبهائمهم وزروعهم، هذا شيء رأيناه في صولة العرب وشرة الرعايا، ونحن بحمد الله في هذه الدولة أمراء نأمر وننهى ومشاركون للإمام في ملكه، هذا معنى كلامه رحمه الله تعال(2)، وكان يحكي لي ما جرى على (هجرة) (3) المسلمين من الباطنية وأجلاف العرب ببلاد مدحج وجهران، وصيح بكيل، ومن انتهب من السادات والعلماء والمتعلمين، ومما أكرمه الله به من العلم والفهم ما روى(لي) (4) الفقيه، العالم، الفاضل، الزاهدحسين بن منصور الصبيحي، وهو من علماء المذهب الشريف سيما في علم الأصولين محلق (فيهما) (5)، محقق، من أفضل أهل وقته علما وورعا وعفة وزهدا (وتفان) (6) أن رجلا شافعي المذهب وفد من حضرموت، يريد قصد الإمام المهدي علي بن محمد عليه السلام(7) لرشاده فوصل إلى ولده صلاح ببلاد مدحج، فقال لأهل حضرته وهم السيد الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد رحمه الله تعالى(8)، والقاضي العلامة جار الله أحمد بن عيسى المشهور بالتحقيق والتدقيق في علم الكلام، والفقيه أحمد بن أبي القاسم بن غراب (المعروف) (9) بالبصيرة والفضل والفهم الوافر، والفقيه معيض بن عبد الله الصعدي(10) المعروف بكماله سيما في علوم القرآن شيخ الإمام الناصر عليه السلام في علوم القرآن، فقال لهم الحضرمي: إني رجل شافعي المذهب والشفعوية يزعمون أنهم على الحق، وأنتم تزعمون أنكم على الحق والقدر مسألة وقعت في النفس وأنتم علماء الإسلام وأهل النقض والإبرام فإن شفيتم غليلي، وإلا قصدت صعدة إلى أبيك المهديعليه السلام، فقال لهم ولد الإمام صلاح عليه السلام: جوبوا على هذا الرجل، فقالوا: جوب عليه نتبرك بالابتداء بكلامك، وقصدهم والله أعلم (يحكوا) (1) للرجل كلام المعتزلة وكلام يطول فتنحنح ولد الإمام صلاحعليه السلاموكان (يومئذ) (2) حديث السن، عمره ثماني عشرة سنة على ماروى لي الفقيه حسين، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآله بأفضل ما يصلي عليه، وقال:(روى لي) (3) الثقات رضي الله عنهم أن أربعة من التابعين من علمااء المعتزلة وهم: واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، والحسن البصري(4) ، وعامر الشعبي(1) ، دخلوا على الحجاج بن يوسف(1)، فقال لهم: ما تقولون في القضاء والقدر؟ فقال واصل بن عطاء: لا أدري إلا ما أروي، عن (أمير المؤمنين)(2) علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال لرجل سأله عن القدر فقال (له)(3): أتحسب أن الذي نهاك دهاك إنما دهاك أسفلك وأعلاك والله بريء من ذاك، وقال عمرو بن عبيد: لا أدري إلا ما أروي عن أمير المؤمنينعليه السلام أنه قال لرجل سأله عن القدر، فقال (له)(4): إذا كانت المعصية حتما كانت العقوبة عليها ظلما، وقال الحسن البصري: لا أدري إلا ما أروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة لرجل سأله عن القضاء والقدر، فقالعليه السلام: أتحسب أن الذي فسح لك الطريق يلزم عليك المضيق، وقال عامر الشعبي: لا أدري إلا ما أروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن رجلا سأله عن القضاء والقدر، فقال له: ما استغفرت الله منه فهو منك ، وما حمدت الله عليه فهو منه سبحانه، فتبلج وجه السائل الحضرمي، وثلج صدره ورضي بقوله واكتفى، وآب على عقبه راشدا مفلحا منجحا، وترك المسير إلى صعدة، وأنارت وجوه من ذكر بحضرته وحمدوا الله تعالى على فهمه، وغزارة علمه، وانتفاع القاصد المسترشد بكلامه، فهذه كرامة له تروى وآية تتلى، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي، لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس))(5). وروى لي الفقيه حسين المذكور أولا، الله أعلم سمعها من الإمام الناصر أو من غيره، قال: دخل النعمان بن ثابت وهو أبو حنيفة رحمه الله تعالى(6)، قال: دخلت المدينة على ساكنها السلام لزيارة جعفر بن محمد الصادق(7) عليه السلام، فأتيت ابنه موسى (بن جعفر)(1) (2) وهو في المكتب يتعلم القرآن مع الصبيان، فقلت له: أين يضع الغريب حاجته إذا كان عندكم أو (أراد) (1) ذلك، فقال له موسى عليه السلام وهو طفل صغير: يتجنب شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، والطرق النافذة، وجنب المساجد، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث (شاء) (2)، قال أبو حنيفة: فلما سمعت (منه) (3) هذا القول نبل في عيني، وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك فمن من المعصية ؟ فقال: اقعد حتى أخبرك، قال: فقعدت، فقال: المعصية لا تخلو إما أن تكون من العبد أو من ربه تعالى أو منهما جميعا، فإن كانت من الله فحاشاه أن يظلم عبده الضعيف بمالم يفعل، وإن كانت منهما جميعا فالقوي لا يعذبه لأنه (شريكه) (4) فيه، وإن كانت من العبد فإليه يوجه الأمر وله وجبت الجنة أو النار، فقال أبوحنيفة:ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم(5).
وقيل: جرت مناظرة بين زيدي وجبري في القضاء والقدر، فقال الزيدي: هي مسألة خلاف بين آدمعليه السلام وبين أبليس، فقال آدم: {ربنا ظلمنا أنفسنا}، وقال إبليس:{بما أغويتني لازينن لهم في الأرض ولاغوينهم أجمعين}، (ثم) (6) قال المجبري: فما تقول في علي ومعاوية؟ فقال الزيدي: أحدهما في النار لا محالة، والتعيين إليك، فانقطع الجبري.
ووقف زيدي على جماعة من المجبرة ، فقال لهم مامعناه: ما أعرف المجادلة والإطالة، لكني أسمع في القرآن قوله تعالى: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله}[المائدة:64]ومفهوم هذا الكلام عند كل عاقل أن موقد النار غير الله، وأن المطفي للنار هو الله، فكيف تقولون: إن الكل من الله وأن الموقد للنار هو المطفي لها، فانقطعوا ولم يردوا جوابا.
Halaman 178