أما بتروكنتي هذا فقد كان قبل الحرب العظمى عضوا عاملا في جمعية (اليد السوداء)، وكانت وظيفته أن يصنع لإخوانه ما يحتاجون إليه من أدوات التدمير والفناء، على أنه فتح أثناء الحرب مخزنا لبيع المأكولات، فربح أرباحا كثيرة، ثم تزوج وندم على ذنوبه، فصار بعد ذلك أبا صالحا وتاجرا محترما، فلا عجب إذا عقد والكون معاهدة سلم أبدية، ولا عجب إذا اكفهر وجهه عندما سمع أنطونيو يقول: «اقترعنا مساء أمس.» وادعى أنه لم يفهم معناه. - «قد هجرت الجمعية يا كنتي ونسيتها، ولكن إخوانك لم ينسوك، وهم وإن كانوا ناقمين عليك يغفرون ذنبك إذا أجبت الآن طلبهم ... بل قد فرض عليك ... لا تخف؛ فالقرعة لنسف المعمل أصابت غيرك.»
فقال بترو وهو يحك رأسه بسبابته: «وماذا تريدون مني؟» - ما لا يحسن عمله سواك؛ قنبلة صغيرة مدمرة توضع بعلبة من علب الشيكولاته، وإليك الأجرة.
قال هذا أنطونيو وهو يخرج من جيبه لفافة من الورق، فعد له عشر دولارات، فابتسم قلب بترو لمرأى المال، ونسي أنه ندم وتاب إلى الله. - يجب أن تسرع في العمل. - سيتم بعد أسبوع. - حسن جدا بعد أسبوع. إلى الملتقى.
فتصافح الطليانيان المدمران للكون، وخرج بياع التفاح راضيا حتى على آفة الكون زوجة كنتي التي كانت تقشر البطاطا عند الباب، فسلم عليها، فردت السلام دون أن تنظر إليه. - ما أجمل ابنك يا مسز كنتي! تعال إلي يا كنتي الصغير؛ سأعطيك لعبة جديدة إذا كنت تقبلني.
وما كاد أنطونيو يقبله حتى وثبت الأم كاللبؤة عليه فانتشلت ابنها من بين يديه. إن السيدة كنتي تكره كاتالان كرها شديدا، وتتشاءم فوق ذلك منه، ومن عجيب تشاؤمها أن ابنها وقع ذاك المساء فجرح في وجهه، فنسبت ذلك إلى قبلة أنطونيو، ولما سألت زوجها عما يريد قال: جاء يستدين بعضا من المال، فصاحت قائلة: لا تعطه دولارا واحدا، لا معاملة بيننا وبين كاتالان.
ولكن بتروكنتي وإن كان يحب امرأته ويعمل غالبا بنصيحتها لا يخلف وعده، وبينا كان يشتغل في اليوم الثاني في غرفته الخصوصية تعثر ابنه بصندوق في الدكان فوقع وشج رأسه، فصاحت الأم مستجيرة بكل قديسي إيطاليا، فخرج الأب كنتي يسب الشيطان وأعوانه في الأرض جميعا.
وهم في تلك الحالة جاء إلياس نادر يشتري بعض الأغراض لبيته، فساعد الأب والأم في تضميد جرح الصغير، ثم اشترى من كنتي أشياء كثيرة وفيها خمسة صناديق من البيرا.
فقال بترو: ولماذا هذا الإسراف يا إلياس؟
فقال إلياس: عرس بنتي يا بترو! لي ابنة وحيدة وهي عندي بما في الدنيا، وسيكون عرسها لائقا بها. - وهل ترضى هي أن تقترن بأنطونيو كاتالان؟ - لا، لا، نحن لم نعد أنطونيو بشيء، عريسها ابن بلدها السرجنت توفيق زيدون، ويجب أن تحضر العرس يا بترو في الأسبوع القادم؛ جئت خصوصا أدعوك، وإذا كنت لا تحضر أقتلك والله. - سأحضر العرس، والله سأحضر.
وبعد أن خرج إلياس نادر من الدكان لبس بترو قبعته، وراح يستطلع خبر أنطونيو ليخفف ما بدأ يخامره من الريب، فلما وصل إلى الدكان رآه واقفا في الباب كالمعتوه وهو ينظر إلى السيارة أمام بيت نادر، السيارة التي جاء بها السرجنت زيدون ليخرج بسلمى إلى النزهة. - ما بالك يا كاتالان؟
Halaman tidak diketahui