رئيس التحرير: امض في قراءتك؛ فإنه ليخيل إلي أن شعر هذا الشاب لا يخلو من جمال.
مساعد التحرير: جمال يا سيدي! إنه يعترف بأنه لا يعبأ بالعلم ولا يهتم به، وكل ما يفكر فيه هو الخمر. واسمع ها هنا ماذا يقول! يقول لك إن الدنان الفارغة المهملة على رفوفها تحلم بأيام كانت فيها مترعة بخمرها، أسمعت هذا؟! وها هنا أيضا البلبل نادى الورد صائحا: الخمر! الخمر! الخمر! أعوذ بالله! لا يا سيدي، إن صحيفتنا معروفة لقرائها بوقارها، ولا يجوز أن نرسل أعدادها إليهم وهي تترنح، وثق بأن نشر قصيدة كهذه معناه لصحيفتنا الموت والفناء.
رئيس التحرير: لا جدال في هذا، أعدها إلى صاحبها؛ فما إلى هذا الحد البعيد يكون التسامح في ضيعة الأخلاق.
ووصلت القصيدة إلى صاحبها، فحملها إلى الطابع يريد طبعها بما عنده من مال، لكنه آثر أن يستشير وراقا صديقا، فدار بينهما هذا الحديث:
الوراق: ماذا تقول؟ تطبع شعرا وتنفق مالك في طباعته؟ أين في هذه الأيام من يقرأ الشعر؟
الشاعر: عدني بشيء واحد، ولا عليك بعد ذلك، عدني بأن تضع الديوان بعد طبعه في معرض الكتب في دكانك هذا.
الوراق: لك مني هذا، لكني أعيد تحذيري، ليس بين زبائني رجل واحد يشتري الشعر، وليته شعر وكفى، بل هو شعر فارسي! لا يا صديقي، أنا أحدثك الآن حديث الخبير ببيع الكتب وشرائها.
الشاعر: سأطبع القصيدة؛ فانصحني كم نسخة أطبع منها.
الوراق: إذن فاطبع مائتين لا تزد، واسمح لي مرة أخرى أن أحملك على العدول. إن عيالك أولى بهذا المال على قلته؛ فما اضطرارك إلى طباعة شيء لا يجد قارئا واحدا؟
الشاعر: لست أدري، لكن روح الخيام لا تمهلني لحظة واحدة، إنها تلح علي وتلحف، ما زالت كذلك حتى ترجمته، وهي ما تزال كذلك، ولن تزال حتى أطبعه.
Halaman tidak diketahui