Syahid-Syahid Fanatisme
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genre-genre
وكان برنار قد ناهز الخمسين من عمره، أما زوجته فكانت دون العشرين سنا، ولا ندري كيف رضي بالاقتران بها، أو رضيت هي بالاقتران به، غير مراعيين ما بينهما من تفاوت في السن والخلق، إلا أنه كان يهواها، وإن لم تكن تهواه فلم يمنعها ذلك من تدبير شئون منزله كما يجب.
وعلاوة على كل اختلاف بينهما كانت هي كاثوليكية، وهو بروتستانتيا، وهذا الخلاف كان خطير الشأن في ذلك الزمن (وللأسف ما زال كذلك للآن).
ولبثت مرسلين عدة شهور تتضجر من الذهاب وحدها إلى الكنيسة إلى أن كان أحد الأيام ؛ إذ أبصرت في الكنيسة شابا من الأشراف حسن المنظر يرنو إليها باسما، ويقدم إليها الماء المقدس، فقالت في نفسها: خير لي ألا يكون زوجي معي، وكانت قد تلقت تربية حسنة، فما لبثت أن تناست ذلك الشاب ولم تفكر فيه، حاسبة أن الأشراف لم يخلقوا لمن كانت مثلها؛ لأنهم يميلون إلى السلوان والنسيان، ولا يعرضون عن سيدات البلاط إلا حبا في التنقل أو ضجرا منهن، ثم لا يلبثون إلا وقتا قصيرا حتى يرجعوا إليهن. فقالت في نفسها: لئن قدر علي أن أتزوج ممن لا أحبه، فإني أستطيع أن اختار لي حبيبا لا يجب أن يكون من طبقة الأشراف.
وفي ذات يوم ذهبت لتحضر صلاة العصر في يوم عيد، ولما انتهت الصلاة همت بالانصراف لكي لا تدع زوجها ينتظرها طويلا، وعندما أوشكت أن تطبق كتابها الصغير رأت ورقة زرقاء قد سقطت عليه، وعليها شريط ذهبي، وكلمات قليلة علمت أنها من محب عاشق يطلب ودها.
فقالت في نفسها: من يكون هذا الوقح الذي تجرأ على أن يكتب إلي؟ ولم تشأ أن تقرأ تلك الرسالة الغرامية، لكنها ما لبثت أن قالت: لا بد من معرفة ذلك المجرم لأعاقبه على اجترائه. ثم قرأت ما فيها، وإليك نصها:
أيتها السيدة النبيلة
على مقربة منك، في موضع خاف عليك، إنسان يرقب نظرة من نظراتك.
فقالت: لا شك أنه غبي من أهل بلاط الملك، ونهضت لتخرج من الكنيسة. فلما وقفت قرب جرن الماء المقدس اصفر وجهها، ولم تجسر على التقدم؛ لأنها أبصرت فتى واقفا أمامها باسطا إليها يده بذلك الماء، فقالت في نفسها: إنه لصاحب الرسالة التي قرأتها.
على أن ذلك الشاب لم يكن من أشراف حاشية الملك، وإنما هو طالب يتلقى العلم في كلية سوربون، واسمه «جاليو دي نرساك»، وكان طويل القامة، هزيل الجسم، صغير الرأس، أزرق العينين، أشقر الشعر، وكأنه فتاة بحسن وجهه، وكان رفاقه في المدرسة يدعونه «الوجه الصبيح». وقد درس اللغتين اليونانية واللاتينية، وكانت أسرته تنوي إلباسه طيلسان الراهب، أو ثوب الحاكم؛ لأن أباه مات في حصار «متس» وكان له أخوان قتلا في المبارزة، وكان أخوه الأكبر مقيما مع والدته في الريف يخاصم جيرانه، فرأت الوالدة المسكينة أن تجنب ولدها الباقي لها حمل السلاح؛ لأنه أصغر بنيها وأحبهم إليها، فأشفقت عليه أن يصيبه ما أصاب أخويه من قبل. فعهدت بتربيته إلى الأستاذ «برنابا مرفزان» من أساتذة كلية السوربون، وكان رجلا عالما إلا أنه سكير يحب اللهو والطرب. فلزمه «جاليو دي نرساك» وكان في بدء أمره تلميذا مجتهدا، غير أن مدة اجتهاده لم تطل أكثر من ثلاثة شهور، وأحب جاليو دروس التاريخ وكره سائر العلوم، وكان في أكثر الأوقات يناوئ العسس ويعاكسهم، ويبادر إلى سماع الوعظ عندما يعلم أن هنالك فتيات حسانا من البروتستانتيات، ويزاول لعب الحكم بالسيف (المثاقفة)، وكان أستاذه برنابا يغض الطرف عنه، وفي بعض الأحيان يشاركه في مسراته، إلا إذا تهور فيها تهورا كبيرا.
ولما رأى جاليو «مرسلين» شغف بها، فهجر دروسه ولذاته، وعكف على تتبعها ومراقبتها دون أن تشعر به. فمنذ ذلك اليوم صارت تراه في طريقها، وكان لطيفا رقيقا، شديد الاحترام والحياء حتى عطفت عليه وجرأته على الاقتراب منها، فأقسم لها يمين الوفاء حتى جعلها تحنث باليمين التي أقسمتها لزوجها.
Halaman tidak diketahui