Syahid-Syahid Fanatisme
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genre-genre
قال: وماذا أفعل إذا جاء غير هؤلاء؟
أجاب: تمتنع عن قبولهم، وتقول لهم أن ليس في فندقك مكان خال لهم.
قال: لن أفارق بابي أيها المولى.
قال: والآن أرشدني إلى غرفتي، وهات لي عشائي.
فأنزل نيكول الرجل الغريب في أحسن غرفه، وطلب إليه أن يلاحظ متانة الأقفال والنوافذ وسمك الجدران، ثم هيأ له عشاء فاخرا، واستأذن منه بعد أن أكد له إخلاصه. وهنا لا يتوهم القارئ أن نيكول أوى إلى مضجعه؛ لأنه مضى إلى مطبخه وقعد يعاقر الراح ويأكل طعامه وهو يقول: قاتل الله جوزيف اللعين - وجوزيف اسم الطباخ الذي يشتغل في مطبخه - فإنه أهمل قدر الطعام حتى نضج أكثر مما ينبغي له، وهذا الضيف الذي نزل بي الليلة راغب في الانفراد منتظر بعض أصدقاء له، يود الانفراد بهم والتحدث معهم، فهو لا يمكن أن يكون من أصدقاء الملك، ثم إن هذا الشيطان يعرف عني أشياء؛ يتهمني بوقوع حوادث قتل في فندقي، ولكن هل يكون الذنب في ذلك ذنبي أنا؟ أليس عنوان المحل فندق حملة السلاح؟! ورجال الحرب لا يكونون عادة من الملائكة المحبين للسلام، ولا أنكر أن قصة سفير إنكلترة وجواسيسه قد تسوء «المسيو دي جيز» إذا اطلع عليها، وأخشى أن يحمله حب الانتقام على شنقي.
ونظر نيكول إلى سقف مطبخه، وقد علق فيه لحما مقددا بحبال ثخينة تهتز في الفضاء، فقال: إني أفضل رؤية هذا اللحم المقدد يتأرجح فوق رأسي على أن أهتز أنا في أعلى مشنقة، ولسوف أطلب إلى اللورد تروكمارتو سفير إنكلترة عندما يأتي إلى هنا أن يبتعد، إلا إذا كان كيسه منتفخا جدا.
وما زال نيكول يسأل نفسه ويشاورها حتى انتهى به التأمل إلى هذه النتيجة، قال: إن الضيف الذي نزل عندي يعرف أخباري كما أني أجهل أخباره، فهو أقوى مني. فيجب علي أن أستطلع شئونه لأساويه في قوته.
وصعد الدرج مستمهلا حتى وقف أمام باب غرفة الرجل، عازما على معرفة ما يكون منه، وكانت ثقوب أبواب الغرف كلها واسعة، فأبصره نيكول جالسا على كرسي من خشب السنديان يطالع كتابا مجلدا بقطيفة سوداء، وتمكن نيكول من أن يقرأ على القطيفة هاتين الكلمتين: التوراة المقدسة.
فلما انتهى الرجل من القراءة أخذ يتمشى في الغرفة، ثم حل الحبل عن هميانه، وتناول منه شيئا عرف نيكول أنه إطار (برواز) لتصويرة رجل، فتفرس فيها فرآها مشابهة لضيفه، إلا أن المصور فيها أشقر الشعر وضيفه أسوده، فجعل الرجل التصويرة على خوان، وسمعه نيكول يقول: وا حسرتاه عليك يا جسبار! ولكن قر عينا وأنت في ضريحك، فسوف أنتقم لك!
ونظر الرجل الغريب إلى تلك التصويرة مليا، ثم أخذ يتمشى في الغرفة وهو يظن نفسه منفردا، فكان يتكلم بصوت مرتفع، ويقول: لقد تجرأتما يا مسيو دي جيز، ويا أمير لورين على مهاجمة أشراف الفرنساويين، كان لي عديل أحبه كما يحب الوالد ابنه، وكنا تزوجنا شقيقتين، ولا قرابة بيننا غير تلك، إلا أننا متشابهان خلقا كأننا أخوان، فلم تكتفيا بقتله، بل عذبه الملازم «ميشال فيلار» بأمركما، فأزهق روحه وهو يعاني عذاب الاستنطاق، وقد آن وقتي يا فرنسوا دي جيز، كنت أتردد في قبول ما يقدمه إلي الأمير، أما الآن فإن البغضاء تحول دون ترددي، ولا ينقضي شهر واحد حتى أكون قد انتقمت لحبيبي جسبار، وأنقذت الملك وفرنسا من هذه السلالة اللعينة، سلالة جيز.
Halaman tidak diketahui