Memori Syuhada Ilmu dan Perantauan
ذكرى شهداء العلم والغربة
Genre-genre
عظماء الرجال هم الأمثلة الحية لمعاني الإنسانية.
فالشجاعة، والحكمة، والتؤدة، والسداد في الرأي، والنبوغ في العمل، والتفاني في خدمة الوطن، وحب الخير لأبناء أمته؛ كل هذه المعاني الإنسانية وهذه المعاني السامية قد نراها مكبرة مجسمة حتى نكاد نبصرها بالعين ونلمسها باليد في عظماء الرجال.
تلك المعاني الشريفة وتلك الصفات الباهرة تتجلى في شخص حضرة صاحب السعادة الجليل أحمد يحيى باشا، رئيس حفلة تشييع جنازة شهداء العلم والغربة بمدينة الإسكندرية. فحياة مثله من عظماء الأمة يجب أن تكون أمثلة صالحة لكل من يريد أن يعبر سبل الحياة بنجاح. واعترافا بفضل هؤلاء الرجال نعطر صفحات هذا الكتاب بلمحة من تواريخهم بالإيجاز حسب ما يناسب المقام، ومن أراد أن يقف على جلائل أعمالهم فعليه أن يتصفحها في كتابنا «الكنز الثمين لعظماء المصريين»، بالجزء الثاني الذي سيظهر إن شاء الله قريبا في عالم المطبوعات.
مولده
ولد شيخ الوطنية الجليل أحمد يحيى باشا في يوم الجمعة 5 محرم سنة 1260ه، من والدين شريفين مشهورين بالمجد الأثيل والأصل النبيل والعز المنيع في مدينة الإسكندرية. وهو ابن السيد محمد يحيى ابن الحاج مصطفى يحيى الذي كان قاضيا بمحكمة الإسكندرية الشرعية، ومعروف بحسن استقامته وجميل نزاهته. وقد ورث الفضل عن أسلافه أبا عن جد، وكانوا جميعا من حملة الشريعة السمحاء، مشهورين بالتقوى والصلاح والأخلاق الفاضلة والشمائل الغراء.
وكان المرحوم والده باشمهندسا للترسانة أيام المغفور له «محمد علي باشا الكبير»، وهو من تلاميذ الإرسالية الأولى التي كان بعث بها محمد علي إلى أوروبا، والتي كانت مؤلفة من خمسة من أبناء وجهاء القطر، اثنين من الإسكندرية أحدهما السيد محمد يحيى، وثلاثة من القاهرة. وكان والد صاحب الترجمة قد لقنه اللغة الطليانية فضلا عن العلوم الابتدائية، فساعده ذلك على سرعة تعلم اللغة الفرنسوية في فرنسا، حيث كان نصيبه تلقي العلوم البحرية بها في مدينة «طولون»، فلما عاد إلى وطنه - كما تعود الوديعة لصاحبها سالمة - ألحق بالترسانة، ولم يزل يرقى فيها حتى بلغ درجة باشمهندس في الترسانة، فلما انتقل المرحوم «محمد علي باشا» إلى رحمة الله وتغيرت حالة الترسانة تركها واشتغل بالتجارة.
حياته الدراسية
تلقى صاحب الترجمة أحمد يحيى باشا العلوم الأولية بمكتب الشيخ محمد أبي النصر بالإسكندرية، وحفظ على شيخه المذكور القرآن بتمامه وجوده تجويدا حسنا، وأتقن علم الحساب. فلما بلغ الثانية عشرة من عمره اشتغل مع المرحوم والده في محل تجارته فأتقن علم الحساب التجاري، واستنجبه والده ففتح له محلا تجاريا في سنة 1275ه لتجارة الأجواخ والحرائر والأصواف وما شاكل ذلك. ولم يمض على اشتغاله بمحل تجارة والده سوى تسع سنوات وتوفي والده، فانفصل صاحب الترجمة عن إخوته وانفرد بمحل تجارته على حدة.
شهرته التجارية
ولما اشتغل بإدارة محل تجارته على حدة كثرت أعماله واتسعت دائرة علاقاته، وعرف بين الناس بالاستقامة والنشاط والمقدرة والكفاءة. ونبغ في سائر فروع الحياة العملية، لأن الله قد من عليه بعقل راجح وجنان ثابت حتى وثقت به دوائر الحكومة، فكان ينتدب لعضوية المجالس بالمحاكم المختلطة والمجالس الحسبية ومراجعة عوائد الأملاك ونحوها مع استمراره على مباشرة أشغاله التجارية الواسعة. وما زال كذلك حتى اعتزل التجارة وتفرغ لأملاكه الواسعة بالمدينة، ولكنه استمر مثابرا على مباشرة الشئون العمومية، فنال فيها ثقة مواطنيه لما له من الخبرة وقوة العارضة والمقدرة على خدمة مواطنيه بما يذكره له التاريخ أمد الدهر. وقد انتخب عضوا بمجلس بلدي الإسكندرية، ومجلس شورى القوانين، وانتخب رئيسا لجمعية العروة الوثقى خلفا لصاحب الدولة محمد سعيد باشا. واعتنى كل الاعتناء بتربية نجليه الكريمين حضرتي صاحبي السعادة أمين يحيى باشا وعبد الفتاح يحيى باشا وكيل وزارة الحقانية، وهذه أكبر خدمة للأمة التي يقوم سعادتهما بخدمتها وينسجان على منوال أبيهما في عمل الخير والمعروف، و«من شابه أباه فما ظلم».
Halaman tidak diketahui