53

Shubuhat al-Mushakikin

شبهات المشككين

Genre-genre

٥٢- محاولة النبى محمد ﷺ الانتحار الرد على الشبهة: الحق الذى يجب أن يقال.. أن هذه الرواية التى استندتم إليها - يا خصوم الإسلام - ليست صحيحة رغم ورودها فى صحيح البخارى - رضى الله عنه ـ؛ لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة، ولكن أوردها تحت عنوان " البلاغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ، ومعروف أن البلاغات فى مصطلح علماء الحديث: إنما هى مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن (١) . وقد علق الإمام ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى (٢) بقوله: " إن القائل بلغنا كذا هو الزهرى، وعنه حكى البخارى هذا البلاغ، وليس هذا البلاغ موصولًا برسول الله ﷺ، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر ". هذا هو الصواب، وحاش أن يقدم رسول الله - وهو إمام المؤمنين - على الانتحار، أو حتى على مجرد التفكير فيه. وعلى كلٍ فإن محمدًا ﷺ كان بشرًا من البشر ولم يكن ملكًا ولا مدعيًا للألوهية. والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان ﷺ يعتنى بها، وقد قال القرآن الكريم فى ذلك: (قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرًا رسولًا) (٣) . ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - فى علوم عصرنا - بالإحباط أو الضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه؛ لأنه من أعراض بشريته ﷺ. وحين فتر (تأخر) الوحى بعد أن تعلق به الرسول ﷺ كان يذهب إلى المكان الذى كان ينزل عليه الوحى فيه يستشرف لقاء جبريل، فهو محبّ للمكان الذى جمع بينه وبين حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة، فماذا فى ذلك أيها الظالمون دائمًا لمحمد ﷺ فى كل ما يأتى وما يدع؟ وإذا كان أعداء محمد ﷺ يستندون إلى الآية الكريمة: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا) (٤) . فالآية لا تشير أبدًا إلى معنى الانتحار، ولكنها تعبير أدبى عن حزن النبى محمد ﷺ بسبب صدود قومه عن الإسلام، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيم؛ فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم ﷺ بدعوة الناس إلى الله، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور. وهذا خاطر طبيعى للنبى الإنسان البشر الذى يعلن القرآن على لسانه ﷺ اعترافه واعتزازه بأنه بشر فى قوله - ردًا على ما طلبه منه بعض المشركين-: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرًا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا أوتأتى بالله والملائكة قبيلًا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) . فكان رده: (سبحان ربى) متعجبًا مما طلبوه ومؤكدًا أنه بشرٌ لا يملك تنفيذ مطلبهم: (هل كنت إلا بشرًا رسولًا) (٥) . أما قولهم على محمد ﷺ أنه ليست له معجزة فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعًا. حيث ثبت فى صحيح الأخبار معجزات حسية تمثل معجزة الرسول ﷺ، كما جاءت الرسل بالمعجزات من عند ربها؛ منها نبع الماء من بين أصابعه، ومنها سماع حنين الجذع أمام الناس يوم الجمعة، ومنها تكثير الطعام حتى يكفى الجم الغفير، وله معجزة دائمة هى معجزة الرسالة وهى القرآن الكريم الذى وعد الله بحفظه فَحُفِظَ، ووعد ببيانه؛ لذا يظهر بيانه فى كل جيل بما يكتشفه الإنسان ويعرفه.

(١) انظر صحيح البخارى ج٩ ص ٣٨، طبعة التعاون. (٢) فتح البارى ج١٢ ص ٣٧٦. (٣) الإسراء: ٩٣. (٤) الشعراء: ٣. (٥) الإسراء: ٩٣.

1 / 101