ووجه آخر ثالث: قوله تعالى:{إنما الخمر}[المائدة:90] والمراد شربه، وهو عصير العنب إذا غلى واشتد وضرب بالزبد فما أسكر كثيره فقليله حرام، والميسر هو القمار، فكل قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، والأنصاب وفيه حذف، والمراد عبادة الأنصاب، والأزلام وهي القداح، والمراد عمل القداح إذ لا يجوز أن ينصرف إلى الأعيان؛ لأنها فعل الله تعالى؛ ولأن الأمر والنهي والثواب والعقاب، والتحليل والتحريم، لا يتعلق بالأعيان، وإنما المراد أفعال العباد فيها وبها، قوله تعالى:{من عمل الشيطان}[المائدة:90] أي: الذي يدعو إليه الشيطان، ويزينه، قوله تعالى: {فاجتنبوه} أي: لا تشربوه، {لعلكم تفلحون} أي: لكي تفلحوا، والفلاح هو الظفر بالبغية والبقاء في دار الكرامة ومحل المقامة {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر}[المائدة:91] يزين لهم شرب الخمر والقمار فإذا سكروا زالت عقولهم ففعلوا القبائح التي تدعو إلى البغضاء والشر والشحناء وهي بعد زوال العقل لا تباح بل ينهى عنها؛ لأن التعرض لها لا يجوز كما لا يجوز التعرض للموت بالسم ونحوه، وإن كان بعد استعماله الموت فعل الله تعالى فبين تعالى أنه يجب اجتنابها، ولا يجوز استعمالها بأمور منها، قوله في الخمر{فاجتنبوه} فأمر باجتنابه وما حرم على الإطلاق كان نجسا، ومنها قوله: {إنه رجس} والرجس في عرف الشرع هو النجس، فحرم تناوله واستعماله والترطب به، فلا يجوز شرب الخمر، ولا بيعها، ولا شراؤها ، ولا التداوي بها، ومنها قوله تعالى:{من عمل الشيطان} وما كان من عمله القبيح وجب علينا اجتنابه، ومنها قوله تعالى:{لعلكم تفلحون} فعلق الفلاح بتركه فوجب تركه ليحصل لنا الفلاح، وهذا واضح، وقد علم تحريم الخمر من الدين ضرورة.
Halaman 65