قلنا: هو محمول على أن دم الرعاف كان قليلا لا يسيل، وأراد بقوله توضأ معناه غسل يديه استحبابا وهو وضوء في لغة العرب، ويحتمل أن يكون فعل ذلك في وقت كان الدم حينئذ لا ينقض الطهارة، وحيث كانت الأفعال والأقوال مباحة في الصلاة، فإن قيل: قد روي ذلك عن علي عليهم السلام قلنا: قد ذكر القاضي زيد أن ذلك لم يصح عن علي عليه السلام، وأجمعت الأمة على أن الفعل الكثير يفسد الصلاة وأن القليل لا يفسدها، واختلفوا في ما به يقع الفصل بين القليل والكثير، فذكر المؤيد بالله ما لفظه أو معنى لفظه: وذهب أصحابنا إلا أن القليل هو ما أجمع على أنه قليل وما عداه في حكم الكثير؛ لأن الأصل تحريم الأفعال والأقوال في الصلاة ولا يستباح فيها شيء من الأفعال والأقوال إلا بدليل، قال: ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((اسكنوا في الصلاة)).
قال القاض زيد: ولا خلاف في أن العمل الكثير يفسد الصلاة وأن القليل لا يفسدها.
(خبر ) وروي عن ابن عباس أنه قال: بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة فقمت فتوضأت كما توضأ، ثم جئت فقمت على يساره فأخذني من ورائه حتى أقامني عن يمينه فصليت معه، وهذا الخبر يفيد أحكاما منها: أن الواحد يقف عن يمين الإمام، ومنها أنه لو وقف عن يساره كان مكروها لهذا أدار ابن عباس وصحت صلاته؛ لأنه لم يأمره بالإعادة، ومنها أن اليسير من الأفعال لا يفسدها نحو هذا، ومنها أنه يجوز فعل مثل ذلك على وجه التعليم، ومنها أن الصغير كالكبير في حكم المقام، قال الله تعالى:{الذين هم في صلاتهم خاشعون}[المؤمنون:2] والخشوع هو السكون بدلالة قول الله تعالى:{وخشعت الأصوات للرحمن}[طه:108] أي: سكنت.
(خبر) وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: ((أما هذا فلو خشع قلبه لخشعت جوارحه)).
Halaman 240