وقبل الشروع فى التفصيل فإنى أحكم حكما كليا أن الإبصار ليس يكون باستحالة من الهواء إلى حالة تعين البصر البتة، وذلك لأن تلك الحالة لا محالة تكون هيئة فى الهواء ليست معنا إضافيا بحسب ناظر دون ناظر، فإنا لا نمنع وجود هذا القسم بل نقول لا بد منه ولا بد من إضافة تحدث للهواء مع الناظر عند نظره بتلك الإضافة يكون الإبصار، وإنما نمنع وجود حالة وهيئة قارة فى نفس الهواء وذاته يصير بها الهواء ذا كيفية أو صفة فى نفسه وإن كانت لا تدوم له ولا توجد عند مفارقة الفاعل الموجد، لأن مثل هذه الهيئة لا يكون له بالقياس إلى بصر دون بصر بل يكون موجودا له عند كل شىء، كما أن الأبيض ليس أبيض بالقياس إلى شىء دون شىء، بل هو أبيض بذاته وأبيض عند كل شىء وإن كان لا يبقى أبيض مع زوال السبب المبيض، ثم لا يخلوا إما أن تكون تلك الهيئة تقبل الشدة والضعف فتكون أضعف وأقوى أو تكون على قدر واحد، فإن كان على قدر واحد فلا يخلوا إما أن تكون العلة الموجبة تقبل الأشد والأنقص أو لا تقبل، فإن كانت طبيعة العلة تقبل الأشد والأنقص وتلك الطبيعة لذاتها تكون علة فيجب أن يتبعها المعلول فى قبول الأشد والأنقص، فإنه من المحال أن يفعل الضعيف الفعل الذى يفعل القوى نفسه إذا كانت قوته وضعفه أمرا فى طبيعة الشىء بما هى علة، فيجب من ذلك أن القوى المبصرة الفاعلة فى الهواء إذا كثرت وازدحمت كان حدوث هذه الحالة والهيئة فى الهواء أقوى، وأن يكون قوى البصر أشد فى إحالة الهواء إلى هذه الهيئة من ضعيف البصر، وخصوصا وليس هذا من باب ما لا يقبل الأشد والأضعف لأنه من باب القوى والحالات فى القوة، ولا تكون قوتها - كما ذكرنا - بقياس بصر دون بصر بل بنفسها كما قلنا، فيجب أن يكون ضعفاء الإبصارإذا اجتمعوا رأوا أقوى وإذا تفرقوا رأوا أضعف، وأن ضعيف البصر إذا قعد بجنب قوى البصر رأى أشد، وذلك لأن الهواء يستحيل إلى تلك الهيئة كيف كانت باجتماع العلل الكثيرة والقوية استحالة أشد، فيكون أداؤه للصورة ومعونته فى الإبصار أقوى، وإن كان ضعف نفس البصر يزيد خللا فى ذلك فاجتماع الضعيفين معا ليس كحصول ضعيف واحد، كما أن ضعيف البصر لا يستوى حال إبصاره فى الهواء الكدر والهواء الصافى لأن الضعيف إذا وجد معونة من خارج كان لا محالة أقوى فعلا، ثم نحن نشاهد ضعيف البصر لا يزيده اقتران أقوياء البصر به أو اجتماع كثرة ضعفاء البصر معه شيئا فى إبصاره، فبين أن المقدم باطل،
Halaman 121