وقد استدل الفريقان الأولان وقالا إنما جاز فى سائر الحواس أن تأتيها المحسوسات لأنها يصح إدراكها بالملامسة كما للمس وكالذوق وكالشم الذى يستقرب الروائح بالتنشق ليلاقيها وينفعل بها، وكالصوت الذى ينتهى به التموج إلى السمع، ثم إن البصر ليس يمكن فيه ذلك لأن المرئى منفصل، ولذلك لا يرى المقرب منه، ولا أيضا من الجائز أن ينتقل إليه عرض موجود فى جسم مرئى أعنى لونه وشكله، فإن الأعراض لا تنتقل، فإذا كانت الصورة على هذا فبالحرى أن تكون القوة الحاسة ترحل إلى موضع المحسوس لتلاقيه، ومحال أن تنتقل القوة إلا بتوسط جسم يحملها، ولا يكون هذا الجسم إلا لطيفا من جنس الشعاع والروح فلذلك سميناه شعاعا، ولوجود جسم مثل هذا فى العين ما يرى الإنسان فى حال الظلمة أن نورا قد انفصل من عينيه وأشرق على أنفه أو على شىء قريب يقابله، وأيضا فإن الإنسان إذا أصبح ودعاه دهش الانتباه إلى حك عينيه فإنه يتراءى له شعاعات قدام عينيه، وأيضا فإن الثقبه العينية تمتلىء من إحدى العينين إذا غمضت الأخرى وفى التحديق المفرط أيضا، فلا محالة أن جسما بهذه الصفة ينصب إليها، ثم أن الفرقة الثانية استنكرت أن يكون جسم مثل العين يسع من الشعاع ما يتصل خطا واحدا بين البصر والكواكب الثابتة فضلا عن خطوط تنتهى إلى ما يرى من العالم، و وخصوصا ولا يرى ما يرى منها إلا متصلا مستوى الاتصال، فيجب أن يكون ما يرى به متصلا، واستنكرت أيضا أن يتحرك هذا الشعاع الخارج فى زمان غير محسوس حركة من العين إلى الثوابت، وقالوا يجب أن تكون نسبة زمان حركتك نحو شىء بينك وبينه ذراعان إلى زمان الحركة إلى الكواكب الثابتة نسبة المسافتين، و فيجب أن يظهر بين الزمانين اختلاف، وربما احتج بهذا أصحاب المذهب الثالث أيضا على أصحاب الشعاع الخطى، ولم يعلموا أن هذا فاسد، وذلك لأنه يمكن أن يفرض زمان غير محسوس قصرا أو أكبر زمان غير محسوس قصرا، فتحصل فيه الحركة التى للشعاع إلى الثوابت، ثم يمكن أن ينقسم هذا الزمان إلى غير النهاية، فيمكن أن يوجد فيه جزء أو بعض نسبته إليه نسبة المسافة المستقصرة إلى المسافة المستبعدة، فيكون الزمانان الذان بينهما البعد كلاهما غير محسوس قصرا،
Halaman 118