ولو لم يكن البياض إلا ضوءا والسواد إلا ما قيل لم يكن تركيب البياض والسواد إلا آخذا مسلكا واحدا، بيان هذا أن البياض يتجه إلى السواد قليلا قليلا من طرق ثلاثة، أحدها طريق الغبرة وهو الطريق الساذج، فإنه إذا كان السلوك ساذجا يتوجه إلى الغبرة ثم منها إلى العودية ثم كذلك حتى يسود فيكون سالكا طريقا لا يزال يشتد فيه السواد وحده يسيرا يسيرا حتى يمحض، والثانى الطريق الآخذ إلى الحمرة ثم إلى القتمة ثم إلى السواد، والثالث الطريق الآخذ إلى الخضرة ثم إلى النيلية ثم إلى السواد، وهذه الطرق إنما يجوز اختلافها لجواز اختلاف ما يتركب عنه الألوان المتوسطة، فإن لم يكن إلا بياض وسواد ولم يكن أصل البياض إلا الضوء وقد استحال بعض هذه الوجوه لم يمكن فى تركيب البياض والسواد إلا الأخذ فى طريق واحد لا يقع الاختلاف إلا فيه وقوعا بحسب النقص والاشتداد فيه فقط، ولم تكن طرق مختلفة، فإن كانت طرق مختلفة فيجب أن يكون شوب من غير البياض والسواد مع أن يكون شوبا من مرئى، وليس فى الأشياء شىء يظن أنه مرئى وليس سوادا ولا بياضا ولا مركبا منهما إلا الضوء عند من يجعل الضوء شيئا غيرهما، فإن بطل مذهبه امتنع استحالة الألوان فى طرق شتى، وإن أمكنت هذه الاستحالة وجب أن يكون مرئى ثالث خارج عن أحكام البياض والسواد، ولا وجه أن يكون هذا المرئى الثالث موجودا إلا أن يجعل الضوء غير اللون،
فمن هاهنا يمكن أن تتركب الألوان، فيكون البياض والسواد إذا اختلطا وحدهما كانت الطريقة هى طريقة الاغبرار، فإن خالط السواد ضوء فكان مثل الغمامة التى تشرق عليها الشمس ومثل الدخان الأسود يخالطه النار كان حمرة إن كان السواد غالبا أو صفرة إن كان السواد مغلوبا وكان هناك غلبة بياض مشرق، ثم إن كان هناك صفرة خلطت بسواد ليس فى أجزاء إشراق حدثت الخضرة، وبالجملة إذا كان الأسود أبطن والمضىء أظهر، والحمرة بالعكس، ثم إن كان السواد غالبا فى الأول كانت قتمة، وإن كان السواد غالبا فى الثانى كانت كراثية تلك الشديدة التى لا إسم لها، وإن خلط ذلك ببياض كانت كهوبة زنجارية، وإن خلط بالكراثية سواد وقليل حمرة كانت نيلية، وإن خلطت بالحمرة نيلية كانت أرجوانية،
Halaman 112