92

والزمان متصل بالذات وبالعرض أيضا، ومنفصل بالعرض. أما أنه متصل بالذات، فلأنه فى نفسه مقدار للحركة، وأما أنه متصل بالعرض، فلأنه يقدر بالمقايسة إلى المسافة فيكون له تقدير ماسح عارض من غيره، فيقال: زمان حركة فرسخ، فيقدر الزمان بالفرسخ والفرسخ مقدار خارج عنه؛ فيكون هذا التقدير له كما للحركة. ولا بأس أن يكون الشىء فى نفسه فى مقولة، ثم يعرض له شىء من تلك المقوله؛ فإن الإضافة تعرض لها الإضافة، والكيفية تعرض لها الكيفية. وأما أنه منفصل بالعرض، فذلك لما يعرض له من الانفصال إلى الساعات والأيام وغير ذلك. وليس يحسن من يقول: إن الزمان منفصل أيضا لا بالعرض؛ وذلك من حيث هو عدد للحركة وأن الآن يوجب فعله. فإن الآن فى الزمان موهوم كالنقطة فى الخط. ولو كان شيئا حاصلا لكان، كما يقولونه، فاصلا؛ ولكن من غير أن يلحق الزمان بالكمية المنفصلة. فليس إذا فرض الآن فاصلا، لم يكن واصلا. ولما كان بأن يصل أولى منه بأن يفصل، فإنه إذا كان حاصلا بالفعل صار به لأجزاء الزمان حد مشترك بالفعل يدل على الاتصال فى ذواتها؛ وإن عرض لها، من حيث هى أجزاء، أن تكون ذات عدد، لا عددا، وذات كمية منفصلة، لا كمية منفصلة، مثل حال الخط والسطح والجسم إذا افترض منها حدود مشتركة. وليس هذا الفصل هو الفصل الذى لا يجتمع مع الوصل، لأن ذلك هو الفصل الذى يبعد الأجزاء بعضها من بعض بطرفين متباينين؛ ولا الفصل المبعد يجعل الشىء لا محالة من الكمية المنفصلة؛ بل يجعله ذا كمية منفصلة.

واعلم أن الكمية المتصلة أو المنفصلة لو قومت ذات شىء، بقى هناك شك فى أن الشىء من تلك المقولة أم ليس؛ لأنها ربما قومت كالفصل البسيط؛ وكان لقائل أن يقول: إن الفصل البسيط لا يجب أن يكون من مقولة النوع الذى يلحقه؛ فكيف إذا عرضت ولم تقوم ؟ واعلم أن المتصل والمنفصل فصلا الكم لا نوعاه، إلا أن تقرن بهما طبيعة الجنس؛ ولكن ليسا من الفصول التى هى غير الأنواع.

واعلم أن الفصول المنطقية كلها تحمل على الأنواع؛ فلا تكون غير الأنواع فى الموضوع، ولكن تكون غيرها بالاعتبار. فإن كان الفصل المنطقى مشتقا من معنى موجود فى النوع لا يحمل على النوع، كان النوع منفصلا بفصل غيره؛ كالإنسان الذى هو ناطق؛ وإنما هو ناطق بنطق هو موجود حاصل فيه، والنطق لا يحمل على الإنسان، فلا يقال: إن الإنسان نطق، لا بالاعتبار فقط بل وبالموضوع؛ فهذا الفصل وما يجرى مجراه يستند إلى شىء هو غير النوع، بحيث لا يحمل عليه.

واعلم أن الكم المتصل لا يخالف المنفصل إلا بذاته، لا باتصال غيره؛ ولا المنفصل يخالف المتصل إلا بذاته ، لا بالانفصال. فذات النوع ههنا والفصل واحد بالموضوع؛ ليس واحدا بالاعتبار. وأما الفصل البسيط فليس لهما ألبتة؛ إذ ليس هذا متصلا باتصال؛ ولا ذاك منفصلا بانفصال؛ وأنت موعود بشرح هذه الأشياء لك فى موضعه.

الفصل الثاني فصل (ب) في خواص الكم

وبالحرى أن نتكلم الآن فى خواص الكمية فنقول: قال بعض المتقدمين ما هذا معناه: إن للكمية خاصيتين أوليتين إحدهما أن الكمية تحتمل التقدير؛ والأخرى أن الكمية لا مضاد لها. ثم إنه قد يتولد من هاتين الخاصيتين خاصيتان أخريان؛ فيتولد من أن الكمية تحتمل التقدير أنه يقال مساو وغير مساو؛ ويتولد من أنه لا مضاد له أنه لا يقبل الأشد والأضعف.

Halaman 96