ومعلوم أن لكون الظن صادقا معنى فى الظن، وإن كان إضافيا؛ وهذا المعنى قد زال،لا عن الأمر وحده، بل عن الظن؛ فإن هذا الوصف، وهو أنه صادق، أى مطابق للموجود، كان للظن لا للأمر؛ وإذا زال، فإنما زال عما كان فيه؛ وليس كل وصف يتغير على الشىء يجب أن يكون متقررا ثابتا،بل المضاف أيضا من جملة الأوصاف والأعراض التى تلحق الأشياء كما يقرون به. ولا مانع أن يكون تغير أمر هو سبب تغير أمر آخر، كأفول الشمس وغيبتها، فإن ذلك سبب لتغير حال الأرض والهواء؛ وكل واحد تغير فى نفسه.
وليس إذا كان الأمر قد استحال، يجب أن لا يكون الظن قد استحال باستحالة أخرى تابعة لاستحالة الأمر؛ لكن إذا قيل إن الجواهر تقبل الأضداد بأن تستحيل فى أنفسها فى معان غير مضافة استحالة أولية، أى استحالة ليست تتبع استحالة شىء آخر على سبيل المضاف فقط، لم يوجد الظن بهذه الصفة، وانجلت الشبهة.
وأما السطح، فإنه أيضا ليس يستحيل بتغير له فى نفسه؛ بل لأن لموضوعه تغيرا به. فإن استقصينا وعنينا بقولنا بتغيره فى نفسه أنه يكون مستغنيا بذاته وحده فى أن يكون موضوعا للأضداد يتغير بها بنفسه، لا يحتاج فى ذلك إلى ما يقيمه ويعرضه لذلك التغير، خرج السطح والظن والقول عن أن يشاركه بوجه من الوجوه.
وأما المناقشة فى أن الأعراض بأنفسها لا تحمل الأعراض، وأنها لن تزول عنها أعراض تعقبها أعراض إضافية وقارة زوالا وعروضا أوليا، يكون ذلك للجوهر بتوسطها، فذلك شىء لا أرى للمنصف أن يركبه، وأنه وإن كان الجوهر سببا لوجود العرض، فليس يجب أن يكون مانعا أن تكون أمور تعرض للعرض وتلزمه وتلحقه لحوقا أولا ثم تلحق الجوهر بتوسطه؛ وإن كان اللحوق موجودا معه فى الجوهر ومحتاجا معه إليه؛ كما ليس مانعا أن تكون له أنواع أيضا وأجناس تقال عليه. وأما تحقيق ذلك فستجده فى العلوم.
فلنجمع الآن مساعدين على أن العرض لا يقبل بمنفرد ذاته و بتغير نفسه شيئا من الأضداد؛ بل إما أن يتغير فى أمر مضاف، ليس تغيرا فى نفسه، أى فى هيئة قارة فى ذاته؛ أو يتغير بتغير ما هو فيه؛ وبالجملة فإن العرض ليس له تغير يختص بنفسه؛ بل إنما له تغير مضاف أو تغير تابع.
الفصل الرابع فصل (د) في ابتداء القول فى الكمية
وقد جرت العادة أن تذكر الكمية عقيب الفراغ من القول فى الجوهر لمعان داعية إليه؛ منها ما ذكر من مشاركات وقعت فى الخواص بين الجوهر والكمية أحوجت إلى ذكر الكمية فى الجوهر دون الكيفية والمضاف.وأما الستة الأخر فإنها تابعة لهذه الأربع كما تعلم بعد. ومنها أن الكمية أعم وجودا من الكيفية وأصح وجودا من المضاف. أما أعم وجودا من الكيفية، فلأن العدد من الكمية، وليس مقصورا فى وجوده على الأمور المقارنة للحركة والمادة دون المفارقة التى لا تقبل كيفية ولا شيئا غريبا عن جوهرها. وأما أصح وجودا من المضاف، فلأن المضاف غير متقرر فى ذات موضوعة تقرر الكمية. وأيضا فإن الكمية المتصلة توجد فى جميع الأجسام الطبيعية من غير اختلاف؛ والكيفيات تختلف فيها. والكمية إذا شاركت الكيفية فى الجواهر فإنها تلزم أول جوهر منها وهو الجسم؛ والكيفيات تلزم الجواهر النوعية السافلة أو المتوسطة بعد الجسمية. وقد يمكن أن يقال فى هذه أشياء أخرى.ويمكن أن تطلب للكمية خواص تفضل بها على الكيفية؛ لكنا لا نؤثر أن نشتغل بأمثال هذه المباحث إلا اشتغالا دون الوسط.
Halaman 87