113

وأما الجنس الآخر من أجناس الكيفيات التى هى أنواع الكيفية العامة فيجب أن يتصور على أنه استعداد جسمانى كامل نحو أمر خارج بجهة من الجهات، لا القوة التى فى المادة الأولى، ولا قوة الجوار؛ فإن كل إنسان بالقوة صحيح ومريض، لكنه يتمه الاستعداد حتى تصير هذه القوة التى بحكم الجوار الطبيعى وافرة من جهة أحد طرفى النقيض، فلا يكون فى قوة الشىء أن يقبل المرض وأن يصرع غيره فقط كيف كان، بل أن يكون قد ترجح قبول المرض على قبول الصحة، أو ترجح لا قبول الصرع على قبول الصرع. والمصحاحية والممراضية والهيئة المصراعية والهيئة الانصراعية، والصلابة المترجح فيها أن لا ينغمز، واللين المترجح فيه أن ينغمز، هى من هذا الباب. لكن فى هذا الموضع شكوكا؛ وذلك أن الأمور التى تدخل فى هذا الجنس توجد ثلاثة أمور: استعداد شديد على أن ينفعل كالممراضية؛ واستعداد شديد على أن يفعل كالمصراعية؛ واستعداد شديد لا على أن ينفعل ولا على أن يفعل بل أن لا يفعل، كالمصحاحية والصلابة. وقول القوة على هذه الثلاثة قريب من أن يكون على سبيل اشتراك الاسم؛ وإن ريم جمعه فى معنى واحد كان عسرا متكلفا. وأيضا فلمتشكك أن يتشكك فى أنه هل المصارعية فى هذا الباب داخلة من حيث لا ينصرع، أو من حيث يصرع غيره. فإن كان من حيث لا ينصرع تكون المؤونة فى الشك خفيفة، ويكون هذا الجنس هو تأكد أحد طرفى ما عليه القوة الانفعالية فى أن ينفعل أو فى أن لا ينفعل؛ لكنه يعرض أن يضيع استعداده من حيث يحرك غيره من الأقسام، إذ لا يصلح أن يوجد فى الأجناس الأخرى أو يصعب، وإن كان من حيث يصرع فإن االشبهة الأولى تتأكد؛ وكأنك قد فهمتها.

ولسنا نعنى بالقوة المصراعية القوة الأولى المحركة النفسانية التى هى جوهر ولا يقبل الأشد والأضعف، بل هذه ككمال لتلك القوة من جهة مواتاة الأعضاء؛ ونسبتها إليها نسبة شدة الذكاء والفهم إلى النفس الناطقة؛ فنقول الآن: إن المصارعية يجب أن يعلم أنها متعلقة بثلاثة أمور: أمر فى البدن، وأمر فى القوة المحركة، وأمر فى القوة الدراكة. أما ما يتعلق بالقوة الدراكة فهو معرفة ما صناعية تخيل المصارعة، كمعرفة صناعة الرقص والضرب بالعود، وبالجملة هو صنف من أصناف المعرفة بكيفية أفعال تتعلق بالحركة وبما ليست له هيئة قارة الوجود فى موضوعه تعرف، كصناعة البناء والكتابة. وأما ما يتعلق بالقوة المحركة فهو ملكة يحسن بها تصريف العضل على إدراك الغرض فى المصارعة. فهاتان إما حالان إن ضعفتا، وإما ملكتان إن تمكنتا؛ وليستا ولا واحدة منهما من الأمور البدنية الصرفة.

وأما الثالث وهو الباقى فهو أمر بدنى، وهو كون الأعضاء فى خلقتها الطبيعية بحيث يعسر عطفها ونقلها. فهذا هو من هذا الباب وهو جزء من أجزاء كمال صناعة المصارعة الطبيعية؛ وهو غير معنى القوة المحركة؛ لأن ما يعرض للقوة المحركة وبالجملة للقوى النفسانية فهو من الباب الأول من أنواع الكيفية.

فقد زالت هذه الشبهة وتقرر أن هذا الجنس هو استكمال استعداد أحد طرفى ما عليه القوة التى بمعنى الجواز حتى يكون شديد الاستعداد لوجود ما إذا وجد كان انفعالا بالفعل كالممراضية، أو شديد الاستعداد لأن لا يوجد فيه، وهذا كالمصحاحية . وبالجملة فإن هذه القوة إما أن تستكمل آخذة نحو التغير عن الحالة الطبيعية الملائمة وهى اللاقوة، وإما نحو أن لا تتغير عنها وهى القوة الطبيعية.

الفصل الرابع فصل (د) فى إيراد الشكوك فى النوع المنسوب إلى قوة ولا قوة

لكن العادة جرت على خلاف ما قلناه، وذلك أنه قد صرح فى التعليم الأول،بأن القوى، إنما هى قوى، بحسب أنها تفعل بسهولة، كالمصراعى، أولا تنفعل بسهولة، كالصلب؛ واللا قوى، هو الذى ليس له قوة على أن لا ينفعل، كالممراض الذى ليس له قوة على أن لا ينفعل، واللين الذى ليس له قوة على أن لا ينقطع.

Halaman 117