وإذا اشرنا إلى هذا المبلغ فلنعرض عنه، فليس من عادتنا أن نتكلم في مثل هذه الأشياء التي تبنى على تخمينات إقناعية وليست من طرق القياسات العلمية. بل نقول: إن الحكماء ايضا قد نقلوا التام إلى حقيقة الوجود، فقالوا من وجه: إن التام هو الذي ليس شيء من شأنه أن يكمل به وجوده بما ليس له بل كل ما هو كذلك فهو حاصل له وقالوا من وجه آخر: إن التام هو الذي بهذه الصفة مع شرط أن وجوده بنفسه على أكمل ما يكون له هو وحده حاصل له وليس منه إلا ما له، وليس ينسب إليه من جنس الوجود شيء فضل على ذلك الشيء نسبة أولية لا بسبب غيره. وفوق التمام ما له الوجود الذي ينبغي له، ويفضل عنه الوجود لسائر الأشياء كأن له وجوده الذي ينبغي له، وله الوجود الزائد الذي ليس ينبغي له، ولكن يفضل عنه للأشياء وذلك من ذاته. ثم جعلوا هذا مرتبة المبدأ الأول الذي هو فوق التمام، ومن وجوده في ذاته لا بسبب غير يفيض الوجود فاضلا عن وجوده على الأشياء كلها. وجعلوا مرتبة التمام لعقل من العقول المفارقة الذي هو في أول وجوده بالفعل لا يخالطه ما بالقوة، ولا ينتظر وجودا آخر يوجد عنه، فإن كل شيء آخر، فذلك أيضا من الوجود الفائض من الأول. وجعلوا دون التمام شيئين: المكتفي والناقص. والمكتفي هو الذي أعطى ما به يحصل كمال نفسه في ذاته، والناقص المطلق هو الذي يحتاج إلى آخر يمده الكمال بعد الكمال. مثل المكتفي: النفس النطقية التي للكل، أعني السموات، فإنها بذاتها تفعل الأفعال التي لها وتوجد الكمالات التي يجب أن يكون لها شيء بعد شيء لا تجتمع كلها دفعة واحدة، ولا تبقى أيضا دائما إلا ما كان من كمالاتها التي في جوهرها وصورتها، فهو لا يفارق ما بالقوة وإن كان فيه مبدأ يخرج قوته إلى الفعل، كما تعلم هذا بعد. وأما الناقص فهو مثل هذه الأشياء التي في الكون والفساد. ولفظ التمام ولفظ الكل ولفظ الجميع تكاد تكون متقاربة الدلالة. لكن التمام ليس من شرطه أن يحيط بكثرة بالقوة أو بالفعل. وأما الكل فيجب أن يكون لكثرة بالقوة أو بالفعل، بل الوحدة في كثير من الأشياء هو الوجود الذي ينبغي له. وأما التمام في الأشياء ذوات المقادير والأعداد فيشبه أن يكون هو بعينه الكل في الموضوع. فالشيء "تام" من حيث أنه لم يبق شيء خارجا عنه وهو "كل" لأن ما يحتاج إليه حاصل فيه فه بالقياس إلى الكثرة الموجودة المحصورة فيه "كل" وبالقياس إلى ما لم يبق خارجا عنه "تام". ثم قد اختلف في لفظي الكل والجميع على اعتباريهما، فتارة يقولون: إن الكل يقال للمتصل والمنفصل،
Halaman 95