المقالة الثالثة وفيها عشر فصول
الفصل الأول: (أ) فصل حال المقولات التسع في الإشارة إلى ما ينبغي أن يبحث عنه من حال المقولات التسع وفي عرضيتها.
فنقول: قد بينا ماهية الجوهر، وبينا أنها مقولة عن المفارق، وعلى الجسم، وعلى المادة، والصورة. فأما الجسم فإثباته مستغنى عنه، وأما المادة والصورة فقد أثبتناهما، وأما المفارق فقد أثبتناه بالقوة القريبة من الفعل، ونحن مثبتوه من بعد. وعلى أنك إن تذكرت ما قلناه في النفس، صح لك وجود جوهر مفارق غير جسم، فبالحري أن تنتقل الآن إلى تحقيق الأعراض وإثباتها. فنقول: أما المقولات العشرة فقد تفهمت ماهياتها في افتتاح المنطق. ثم لا يشك في أن المضاف من جملتها - من حيث هو مضاف - أمر عارض لشيء ضرورة. وكذلك النسب التي هي في "أين" و"متى" وفي "الوضع" وفي "الفعل" و"الإنفعال" فإنها أحوال عارضة لأشياء هي فيها، كالموجود في الموضوع. اللهم إلا أن يقول قائل: إن الفعل ليس كذلك، فإن وجود الفعل ليس في الفاعل، بل في المفعول. فإن قال ذلك، وسلم له، فليس يضر فيما ترومه من أن الفعل موجود في شيء وجوده في الموضوع، وإن كان ليس في الفاعل. فبقي من المقولات ما يقع فيه اشكال، وأنه هل هو عرض أو ليس بعرض، مقولتان: مقولة الكم، ومقولة الكيف. أما مقولة الكم، فكثير من الناس رأى أن يجعل الخط والسطح والمقدار الجسماني من الجوهر، وأن لا يقتصر على ذلك، بل يجعل هذه الأشياء مبادئ الجواهر. وبعضهم رأى ذلك في الكميات المنفصلة، أي الأعداد، وجعلها مبادىء الجواهر. وأما الكيف فقد رأى آخرون من الطبيعيين أنها ليست محمولة البتة، بل اللون جوهر بنفسه، والطعم جوهر آخر، والرائحة جوهر آخر، وأن من هذه قوام الجواهر المحسوسة، وأكثر أصحاب الكمون ذاهبون إلى هذا.
Halaman 47