الموجود في الخارج. وقد فهمت الآن أن الشيء بماذا يخالف المفهوم للموجود والحاصل، وأنهما مع ذلك متلازمان. وعلى أنه قد بلغني أن قوما يقولون: أن الحاصل يكون حاصلا، وليس بموجود، وقد تكون صفة الشيء ليس شيئا لا موجودا ولا معدوما، وأن "الذي" و"ما" يدلان على غير ما يدل عليه الشيء. فهؤلاء ليسوا من جملة المميزين. وإذا أخذا بالتمييز بين هذه الألفاظ من حيث مفهوماتها إنكشفوا. فنقول الآن: إنه وإن لم يكن الموجود، كما علمت، جنسا، ولا مقولا بالتساوي على ما تحته، فإنه معنى متفق فيه على التقديم والتأخير . وأول ما يكون، يكون للماهية التي هي الجوهر ثم يكون لما بعده. وإذ هو معنى واحد على النحو الذي أومأنا إليه فتلحقه عوارض تخصه، كما قد بينا من قبل. فلذلك يكون له علم واحد يتكفل به. كما أن لجميع ما هو صحي علما واحدا. وقد يعسر علينا أن نعرف حال الواجب والممكن والممتنع بالتعريف المحقق أيضا، بل بوجه العلامة. وجميع ما قيل في تعريف هذه مما بلغك عن الأولين قد يكاد يقتضي دورا. وذلك لأنهم، على ما مر لك في فنون المنطق، إذا أرادوا أن يحدوا الممكن، أخذوا في حده إما الضروري وإما المحال ولا وجه غير ذلك. وإذا أرادوا أن يحدوا الضروري، أخذوا في حده إما الممكن وإما المحال. وإذا أرادوا أن يحدوا المحال أخذوا في حده إما الضروري وإما الممكن. مثلا إذا حدوا الممكن قالوا مرة، إنه غير ضروري أو إنه المعدوم، في الحال الذي ليس وجوده، في أي وقت فرض من المستقبل، بمجال. ثم إذا احتاجوا إلى أن يحدوا الضروري قالوا: إما أنه الذي لا يمكن أن يفرض معدوما، أو إنه الذي إذا فرض بخلاف ما هو عليه كان محالا. فقد أخذوا الممكن تارة في حده، والمحال أخرى. وأما الممكن فقد كانوا أخذوا، قبل، في حده إما الضروري وإما المحال. ثم المحال، إذا ارادوا أن يحدوه، أخذوا في حده إما الضروري بأن يقولوا: إن المحال هو ضروري العدم؛ وإما الممكن بأن يقولوا: إنه الذي لا يمكن أن يوجد؛ أو لفظا آخر يذهب مذهب هذين. وكذلك ما يقال من أن الممتنع هو الذي لا يمكن أن يكون، أو هو الذي لا يجب أن يكون. والواجب هو الذي هو ممتنع ومحال أن لا يكون، أو ليس بممكن أن لا يكون. والممكن هوالذي ليس يمتنع أن يكون أو لا يكون، أو الذي ليس بواجب أن يكون أو لا يكون. وهذا كله كما تراه دور ظاهر. وأما الكشف الحال في ذلك فقد مر لك في أنولوطيقا. على أن أولى هذه الثلاثة في ان يتصور أولا، هو الواجب. وذلك لأن الواجب يدل على تأكد الوجود،
Halaman 18