وقال ابن حبيب: يعيد أبدًا بناءً عَلَى الغالب وهذا إِذَا صلى فِي الطريق اختيارًا، وأمّا إن صلى فيها لضيقٍ فِي المسجد فإنه يجوز، نصّ عَلَى ذلك فِي " المدوّنة " وغيرها.
المازري: ورأيت فيما علّق عن ابن الكاتب وابن مناس: أن من صلى عَلَى قارعة الطريق لا يعيد إلا أن تكون النجاسة فيها عينًا قائمة " (١). انتهى.
وكذلك صرّح ابن بشير بمشهورية الإعادة الوقتية فِي الثلاث، فينبغي أن يحمل كلامه هنا عَلَى نفي الإعادة الأبدية دون الوقتية عَلَى الأحسن (٢)؛ وعَلَى هذا فدليل صيغة التفصيل أن الأحسن إثبات الإعادة الأبدية. وهو قول ابن حبيب؛ لكن إنما قاله فِي العامد والجاهل، وأما الناسي ففي الوقت، وكذا نقله ابن عرفة، ولا يتجّه حمل كلام المصنف هنا عَلَى ما علّق عن أبي موسى بن مناس (٣) وأبي القاسم بن الكاتب؛ لأنه خاص بالطريق (٤).
وكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ، ولَمْ يُعَدْ.
قوله: (وكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ، ولَمْ يُعَدْ) لعله يريد أيضًا: ولم يعد أبدًا بل فِي الوقت؛ لأن حاصل المسألة عَلَى ما عند ابن عرفة: أن الصلاة تكره بالكنيسة العامرة اختيارًا، فإن تحقق نجاستها فواضح، وإلاّ فقال مالك فِي سماع أشهب: يعيد فِي الوقت ما لَمْ يضّطر فإن اضطر فلا يعيد، وعليه حمل ابن رشد " المدوّنة "، وقال سحنون: يعيد فِي الوقت مختارًا كان أو مضطرًا، وقال ابن حبيب: يعيد الجاهل أبدًا، وغيره فِي الوقت وإن اضطر. انتهى.
فأنت ترى هذه الأقوال ليس فِي شيءٍ منها نفي الإعادة الوقتية عن غير المضطر، وحمل كلام المصنف عَلَى المضطر بعيد، وأما الدارسة من آثار أهلها فقال ابن حبيب: لا بأس بالصلاة فيها. ابن رشد: اتفاقًا إن اضطر لنزولٍ بها، وإلاّ كره عَلَى ظاهر قول عمر (٥).
_________
(١) انظر: التوضيح، لخليل بن إسحاق: ١/ ٤٨٣.
(٢) من هنا كتبت في (ن ٤) بخطٍ مغاير بمقدار خمسة سطور ونصف من المخطوطة.
(٣) في (ن ٤): (شاس).
(٤) انظر: المدوّنة، لابن القاسم: ١/ ١٥١، وانظر النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: ١/ ٢٢٠.
(٥) انظر: المدوّنة، لابن القاسم: ١/ ٩٠، ونص المدونة: (عن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كره دخول الكنائس والصلاة فيها. قال مالك: وأنا أكره الصلاة في الكنائس لنجاستها)، والنوادر والزيادات، لابن أبي زيد: ١/ ٢٢٣، والبيان والتحصيل، لابن رشد: ١/ ٢٢٥، ٢٢٦، و١/ ٤٦٤ وكلام عمر ﵁ هو ما رواه عبد الرزاق، ونصه: (لما قدم عمر الشام أتاه رجل من الدهاقين، فقال: إني قد صنعت لك طعامًا، فأحب أن تجيء فيرى أهل عملي كرامتي عليك ومنزلتي عندك، أو كما قال، قال: فقال: إنا لا ندخل هذه الكنائس أو قال: هذه البيع التي فيها الصور) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (٢٥١٩٦) كتاب العقيقة، باب السيوف المحلاة واتخاذها.
1 / 163