وإذا كان في البلد فقهاء ثلاثة كلٌ يرى غير رأي صاحبيه وكلٌ أهل للفتوى، جاز للعامي أن يقلّد أيهم أحبّ، وإن كان عالم واحد فترجحت عنده الأقوال جرت على قولين:
أحدهما: أن له أن يحمل المستفتي على أيهما أحب
والثاني: أنه في ذلك كالناقل يخبره بالقائلين وهو يقلّد أيهم أحب، كما لو كانوا أحياء (١).
وَأَعْتَبِرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ.
قوله: (وَأَعْتَبِرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) إنما خصّ مفهوم الشرط دون سائر مفهومات المخالفة العشرة المجموعة في قولنا:
صِفْ واشْتَرِطْ عَلِلْ ولَقبْ ثُنْيَا ... وعُدّ طَرَفَيْن وحَصْرًَا أَغْيَا
أي: غاية لأن مفهوم الشرط أقواها؛ إذ يقول به بعض من لا يقول بغيره، إلا مفهوم الغاية، فإنه يقول به بعض من لا يقول بمفهوم الشرط، إلاّ أنه قليل ولا يتأتي معه اختصار؛ فلذا تركه، وأمّا مفهوم الموافقة فمتفق عليه، وهو معتبر عنده كقوله في باب الحجر: (وللولي رد تصرف مميز)؛ إذ غير المميز أحرى. فإن قلنا: إنه من باب النص أو القياس الجلي، على رأي من يقول بهما، فلا إشكال، وإن قلنا: إنّه من المفهومات فهو أحرى من مفهوم الشرط، فكأنه اعتبره [٣ / أ] في نفس ما نحن بصدده (٢).
_________
(١) هذه مسألة طال فيها بحث العلماء، وتعددت فيها أقوالهم، وهي تشبه مسألة اختلاف الفتوى على المستفتي، التي قال فيها النووي: إذا اختلف عليه فتوى مفتيين ففيه خمسة أوجه للأصحاب، أحدها: يأخذ بأغلظهما، والثاني: بأخفهما. والثالث: يجتهد في الأولى، فيأخذ بفتوى الأعلم الأورع،. . والرابع يسأل مفتيا آخر فيأخذ بفتوى من وافقه، والخامس: يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء. انظر: آداب الفتوى، للنووي، ص: ٧٨، وقال ابن القيم: فإن اختلف عليه مفتيان فأكثر، فهل يأخذ بأغلظ الأقوال أو بأخفها أو يتخير أو يأخذ بقول الأعلم أو الأورع أو يعدل إلى مفتٍ آخر فينظر من يوافق من الأولين فيعمل بالفتوى التي يوقع عليها، أو يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه؟ فيه سبعة مذاهب، أرجحها السابع، فيعمل كما يعمل ثم اختلاف الطريقين أو الطبيبين أو المشيرين كما تقدم. انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم: ٤/ ٢٦٤، وانظر أدب الفتوى، لابن الصلاح، ص: ١٣٤، وصفة الفتوى، لابن حمدان، ص: ٨٠، وانظر: الموافقات، لأبي إسحاق الشاطبي: ٤/ ١٣٢، وما بعدها.
(٢) مفهوم الموافقة: هو ما كان حكم المسكوت عنه موافقا لحكم المنطوق. انظر الإحكام، للآمدي: ٢/ ٢٥٧، ومفهوم الغاية: هو مد الحكم بإلى أو حتى. انظر: إرشاد الفحول، للشوكاني، ص: ٣٨٧. مفهوم الشرط: ما علق من الحكم على شيء بأداة شرط، كإن. انظر: إرشاد الفحول، ص: ٣٨٦. والنص: كل لفظ دل على الحكم بصريحه على وجه لا احتمال فيه. انظر: اللمع، للشيرازي، ص: ١٤٣.
1 / 120