الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
هذه طبعتى الثانية لكتاب (الشعر والشعراء لابن قتيبة) . وقد كنت طبعته من قبل بتحقيقى وشرحى، بين سنتى ١٣٦٤ هـ- ١٣٦٩ هـ فى دار إحياء الكتب العربية للسيد عيسى الحلبى وشركائه. ثم نفدت طبعته منذ سنين، وطلبه العلماء والأدباء فعزّ عليهم أن يقتنوه.
وكان قد صدر فى مجلدين. وكنت عقب تمام المجلد الأول طلبت من الأستاذ الأديب (السيد أحمد صقر) أن ينقده فى مجلة (الكتاب) التى كانت تصدرها دار المعارف بمصر. وكذلك عقب تمام المجلد الثانى. فنشر نقده للمجلد الأول فى الجزء الثامن من مجلدها الثانى (عدد جمادى الآخرة سنة ١٣٦٥ هـ- يونية سنة ١٩٤٦ م) . ونشر نقده للمجلد الثانى فى الجزء العاشر من سنتها الخامسة (عدد صفر سنة ١٣٧٠ هـ- ديسمبر سنة ١٩٥٠ م) . ثم عقبت على مقاليه فى الجزء الرابع من سنتها السادسة (عدد جمادى الآخرة سنة ١٣٧٠ هـ- أبريل سنة ١٩٥١ م) .
وقد رأيت- وإنى بصدد إعادة طبع الكتاب- أن أثبت هنا فى مقدمته نص مقالى الأستاذ (السيد صقر) فى نقد الكتاب، حرفيّا دون تصرف، إلا أنى حذفت من آخر مقاله الثانى نقده للقسم الذى حققه أخى العلامة الأستاذ عبد السلام هارون فى آخر الكتاب، حين كنت غائبا فى الحجاز، وهو من ص ٨٠٣ إلى آخر الكتاب ص ٨٦١ فى طبعتنا الأولى- أى من الفقرة: ١٥٣٥ فى هذه الطبعة- لأنه ليس من حقى نشره، وهو متعلق بغيرى. ثم أثبت نص كلمتى فى التعقيب على النقد.
ورأيت أن الأمانة العلمية تقتضينى أن لا أتصرف فى نقد الأستاذ (السيد صقر) على ما فيه من هنات، أو تحامل اعتاده كثير من شباب هذا العصر العجيب.
ولا بأس علىّ من ذلك، فما كان من نقده صوابا وإرشادا إلى خطأ وقعت فيه، تقبلته راضيا شاكرا وصححته فى هذه الطبعة، وما كان منه خطأ أو تحاملا لم أفكر فى التعقيب عليه إلا فيما ندر، وما كان من مواضع اختلاف وجهة النظر تركته
1 / 5
للقارئ يرى فيه رأيه، فيقبل منه ما يقبل ويرفض منه ما يرفض. فما يكون لى على الناس من سلطان أفرض به رأيى عليهم، وما كان هذا من أخلاق العلماء.
وسيجد القارئ أن كثيرا من نقد الأستاذ السيد صقر ما هو إلا تحكم وافتئات على ابن قتيبة أو غيره دون دليل مرجح. فنجده كثيرا ما يذكر البيت أو النص من كلام ابن قتيبة، ثم يزعم أن صوابه كذا، دون دليل مقنع، وأحيانا دون نقل عن مصدر معتمد. والروايات فى الشعر وفى نصوص المتقدمين تختلف كثيرا، كما يعرف كل مشتغل بالعلم أو بالأدب. فمن المصادرة والتحكم أن نجزم بصحة رواية أخرى فى كتاب آخر دون رواية ابن قتيبة. وقد يكون راوى تلك الرواية دون ابن قتيبة منزلة فى العلم أو فى الثقة بروايته. خصوصا دواوين الشعراء. فنجد الأستاذ السيد صقر يجزم بصحة رواية بيت بأنه فى ديوان الشاعر المنسوب إليه بنص آخر. والشعراء- كما يعرف الناس- لم يجمعوا دواوينهم بأنفسهم، إلا فى الندرة النادرة. وقد يكون جامع الديوان ورّاقا من الورّاقين، أو عالما مغمورا متوسطا لا يوازن بابن قتيبة وأضرابه من العلماء. فمن التجنى والتحكم أن نجزم بصحة الرواية لأنها فى ديوان الشاعر، دون رواية ابن قتيبة، وهو إمام كبير، وعالم يعرف ما يقول وما ينقل.
وهذا بديهى لمن تأمل وعرف وأنصف.
وقد رأيت- فى هذه الطبعة- أن أقسم الكتاب إلى فقرات بأرقام متتابعة، لتسهل الإشارة إلى مواضع النصوص فيه بذكر رقم الفقرة، دون التقيد بأرقام الصحيفة فى طبعات تتعدد وتختلف فيها الصفحات.
والله الهادى إلى سواء السبيل. والحمد لله رب العالمين.
الأحد ٤ شعبان سنة ١٣٧٧ هـ ٢٣ فبراير سنة ١٩٥٨ م كتبه أحمد محمد شاكر عفا الله عنه بمنه
1 / 6
نقد الأستاذ السيد أحمد صقر
[النقد الأول بالجزء الأول من الشعر والشعراء]
(الشعر والشعراء لابن قتيبة (الجزء الأول» وهذا كتاب من أرفع كتب الأدب قدرا، وأنبهها ذكرا، وأقدمها نشرا.
فقد طبع لأول مرة فى مدينة ليدن سنة ١٧٨٥، وأعيد طبعه فيها مرة ثانية سنة ١٩٠٤ م [١] بعناية المستشرق الكبير «دى غوية» ثم طبع بعد ذلك فى مصر عدة طبعات سقيمة مبتورة كثيرة التصحيف والتحريف لا تعد شيئا مذكورا بالقياس إلى طبعة ليدن الثانية؛ لأن دى غوية قد عنى بنشره. فراجع مخطوط ليدن على خمس نسخ خطية، استحضرها من فينا وبرلين وباريس ودمشق والقاهرة، وأثبت ما بين هذه النسخ من اختلاف فى هامش الكتاب، وبذل مجهودا كبيرا فى مراجعة كل موضع من المواضع التى اقتبسها المؤلفون من الكتاب. ووضع فهرسين للأعلام والأماكن.
وظلت هذه الطبعة عمدة العلماء والباحثين إلى يومنا هذا. بيد أن الحصول على نسخة منها قد أصبح متعذرا بل مستحيلا. فتشوفت النفوس إلى طبعة جديدة تغنى عنها أو تسد مسدها واستشرف الناس إلى من ينتدب نفسه للقيام بهذا العمل الخطير، حتى ارتضى الأستاذ العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر أن ينهض بتلك المهمة الشاقة، فأصدر هذه الطبعة الجديدة التى يقول فى مقدمتها:
«وخير ما ندل به على منزلة هذا الكتاب من العلم، وعلى فائدته للعلماء والمتأدبين أن نخرجه إخراجا صحيحا متقنا، على ما أستطيع بجهدى القاصر، بأنى رجل جلّ اشتغالى بعلوم الحديث والقرآن، وما أستطيع بجهدى القاصر، بأنى رجل جلّ اشتغالى بعلوم الحديث والقرآن، وما أستطيع أن أزعم أنى أهل لمثل هذا العمل، إلا أن أبذل ما فى وسعى» . وهذا تواضع من الأستاذ، فقد نشر منذ أزمان بعيدة كتبا عدة نشرا علميا ممتازا، دل به على سعة علمه، وحصافة رأيه، ودقة
_________
[١] صوابه: سنة ١٩٠٢ م.
1 / 7
نظره، وعمق فكره، وأنفق فى سبيل ذلك ما أنفق من جهد ووفر، وعافية ووقت، رضىّ النفس طيب البال، حتى غدا فى طليعة الناشرين المرموقين، وحسبه أنه ناشر الرسالة للشافعى والمعرّب للجواليقى. والأستاذ نفسه يعتبر نشره مثاليا يضارع نشر المستشرقين، بل يفوقه، وقد صرّح بذلك إذ يقول: «إنما أرجو أن يجد القارئ هذا الكتاب تحفة من التحف، ومثالا يحتذى فى التصحيح والتنقيح، وأصلا موثوقا به حجة، وليعلم الناس أننا نتقن هذه الصناعة. من تصحيح وفهارس ونحوهما- أكثر مما يتقنه كل المستشرقين ولا أستثنى» [١] . وقد اعتمد الأستاذ فى تحقيق هذا الكتاب على طبعة ليدن اعتمادا كليا، حتى جاءت طبعته وكأنها صورة من الأولى، إلا أنه قد شرح بعض الألفاظ الغريبة شرحا مقاربا، وراجع كثيرا من النصوص على ما بين يديه من المصادر، ودلّ على أماكن وجودها فى الكتب المختلفة، ولكنه لم يثبت اختلاف الروايات إلا قليلا.
ولئن كانت هذه الطبعة تمتاز بذلك، إن طبعة ليدن تمتاز عنها بميزة عظيمة، فقد حرص «دى غوية» كل الحرص على إثبات كل خلاف بين النسخ مهما كان شأنه، ليكون القارئ على بينة منه فيختار ما يختار ويردّ ما يرد، بذوقه الخاص، ورأيه المستقل، ولا يكون مقيدا بذوق الناشر ورأيه، فقد يكون الناشر مصوبا للخطأ أو مخطئا للصواب وهو لا يدرى، والأنظار متباينة، والأفكار متفاوتة، وفوق كل ذى علم عليم. ومن أجل ذلك لا أوافق الأستاذ على طرحه لتلك الاختلافات التى أثبتها «دى غوية» ولست أدرى لماذا تركها وهى بين يديه.
ومنهج الأستاذ شاكر فى نشر هذا الكتاب هو أنه اعتمد فى نشره على طبعة ليدن فقط، فأخذ منها وترك، ولم يرجع إلى النسخ المخطوطة فى القاهرة، وهو يعلم أن فيها نسختين وهما برقمى (٥٥٠، ٤٢٤٧- أدب) رجع «دى غوية» إلى أولاهما، ولم يرجع إلى الثانية، لأنها لم تكن فى دار الكتب إذ ذاك، وفى دار الكتب نسخة ثالثة تحت رقم (٩١٦٠- أدب) وصفت فى الجزء السابع من فهرس الدار ص
_________
[١] مقدمة شرحه للترمذى ص ٦٤.
1 / 8
١٨٠. وفى مكتبة الأزهر نسخة رابعة (٦٨٨٥- أدب) فكان من الواجب على الأستاذ أن يرجع إلى تلك النسخ كلها حتى يستطيع تحقيق متن الكتاب [١]، وهو يعلم أن نسخه التى اعتمد عليها «دى غوية» يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا، إلى حد جعل «دى غوية» يقول: «إنه ينبغى أن تنشر مستقلة» . والحق أن الخلاف بين النسخ اختلاف هائل ليس فى سطر أو سطرين، أو صفحة أو صفحتين، بل فى فصول وتراجم بأكملها، فامرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والمتلمس، وطرفة، وأوس بن حجر، والمرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وعلقمة الفحل، وعدىّ بن زيد.
كل شاعر من هؤلاء له ترجمتان متتاليتان، كل واحدة منها تباين الأخرى فى أسلوبها ومنهجها، وتخالفها فى ترتيب عناصرها. وقد راجعت تلك التراجم فى النسخ الخطية فلا حظت أن الترجمة الأولى لكل شاعر قد خلت منهط النسخ خلوا تاما. وكنت أحسب أن هذه التراجم الثنائية ستحفز الأستاذ إلى التماس المخطوطات ليخرج الكتاب كما كتبه صاحبه غير ملفق ولا ناقص كما هو الآن. فقد تبينت أن بعض النصوص التى نقلها الأقدمون عنه لا توجد فيه. كل ذلك يثبت لنا أن طبعة ليدن لا تصلح وحدها لأن تكون أساسا لنشر الكتاب نشرا علميا يجعل القارئ على ثقة من أن الكتاب كما ألفه مؤلفه لم تعبث به أيدى الماسخين أو الناسخين. ولكن الأستاذ قد اعتمدها واتخذها إماما لطبعته. واتبعها حتى فيما لا ينبغى أن تتبع فيه.
وهناك بعض ملاحظات أخرى عنت لى فى أثناء مطالعتى رأيت أن أنبه عليها ابتغاء لوجه الحق، ورغبة فى تصحيح الكتاب ومساهمة فى رجعه إلى أصله.
وبذلك أكون قد أديت واجبى. فإنى أعتقد أنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن ينشر ما يرتئيه من أخطاء ليعرفها القارئ. وينتفع بها الناشر. وبمثل هذا التعاون العلمى المنشود تخلص الكتب العربية من شوائب التحريف والتصحيف الذى منيت به على أيدى الناسخين قديما والطابعين حديثا. وقد رأيت أن لا أنثر ملاحظاتى على الكتاب نثرا، بل رأيت أن أقسمها إلى أقسام، فإن ذلك أنفع وأمتع.
_________
[١] لماذا كان هذا واجبا؟ أظن أن الأستاذ سيد صقر يقلد بعض المتحذلقين الذين يزعمون أنه لا يجوز نشر كتاب إلا بعد جمع مخطوطاته التى فى العالم!! أحمد محمد شاكر.
1 / 9
[ألف- ما فى الكتاب من أخطاء فى الشكل والضبط]
(فالقسم الأول: لما فى الكتاب من أخطاء فى الشكل والضبط. ومن أمثلته:) ١- (الفقرة: ١٦٢) قال امرؤ القس:
وإنى أذين إن رجعت مملّكا ... بسير ترى منه الفرانق أزورا
على ظهر عادىّ تحاربه القطا ... إذا ساقه العود الدّيافىّ جرجرا
هكذا ضبطه دى غوية «تحاربه القطا» وتبعه الأستاذ، وهو خطأ. ولست أدرى ما الذى صنعه العادى- وهو الطريق القديم- مع القطا حتى تحاربه؟ والصواب «على ظهر عادى تحار به القطا» و«تحار به القطا» تعبير شائع فى الشعر القديم.
٢- (الفقرة ١٧٩) قال الشماخ:
لها منسم مثل المحارة خفّة ... كأنّ الحصى من خلفه حذف أعسرا
«منسم» هكذا ضبطها دى غوية بكسر الميم وفتح السين، وتبعه الأستاذ. وهو خطأ. وقد نقل الأستاد ضبطه صحيحا فى المفضليات عن شرحه لقول المخبل السعدى:
ولها مناسم كالمواقع لا ... معر أشاعرها ولا درم
فقال (١: ١١٥): «المنسم» بفتح الميم وكسر السين: طرف خف البعير.
والمواقع: المطارق. الواحدة ميقعة. شبه المناسم بالمطارق. وهذا ما يجعلنى أميل إلى أن «خفّة» محرفة، وصوابها كما جاء فى ديوان الشماخ ص ٧٩ «خفّه»، قال الشنقيطى: «المعنى أن منسمها قوىّ يتطاير الحصى من شدة وقعه» .
٣- (الفقرة ١٨٠) قال امرؤ القيس يصف فرسا:
كميت يزلّ اللّبد حال متنه ... كما زلّت الصّفواء بالمتنزل
والصواب «بالمتنزّل» كما جاء فى شرح المعلقات للتبريزى ص ٤١، والديوان
1 / 10
٤- (الفقرة ٥٠٠) وقال الآخر:
أرأيت إن بكرت بليل هامتى ... وخرجت منها باليا أثوابى
هل تخمشن إبلى علىّ وجوهها ... أو تعصبنّ رؤوسها بسلاب
«أرأيت» هكذا ضبطها دى غوية، وتبعه الأستاذ، وهو خطأ والصواب:
أرأيت إن صرخت بليل هامتى ... وخرجت منها عاريا أثوابى
لأن الصراخ من شأن الهامة فيما يزعم العرب، ولأن الإنسان لا يخرج من الدنيا بالى الأثواب، بل يخرج منها عاريا. والشعر لضمرة بن ضمرة النهشلى، كما فى نوادر أبى زيد ص ٢ وأمالى القالى ١٢/٢٧٩.
وأوله:
بكرت تلومك بعد وهن فى النّدى ... بسل عليك ملامتى وعتابى [١]
أأصرها وبنىّ عمى ساغب ... فكفاك من إبة علىّ وعاب
٥- (الفقرة ٥٢٢) قال أبو زبيد الطائى يصف الأسد:
إذا واجه الأقران كان مجنّه ... جبين كتطباق الرّحا اجتاب ممطرا
«ممطرا» هكذا ضبطها دى غوية بفتح الميم، ظنّا منه أنها اسم مكان، وأن اجتاب بمعنى قطع، وتبعه الأستاذ. وهو خطأ، والصواب «اجتاب ممطرا» بكسر الميم، وفى القاموس (٢/١٣٥) «الممطر والممطرة بكسرهما: ثوب صوف يتقى به من المطر» واجتاب هنا بمعنى لبس، جاء فى لسان العرب (١: ٢٧٨) واجتبت القميص إذا لبسته. قال لبيد:
فبتلك إذ رقص اللوامع بالضّحى ... واجتاب أردية السّراب إكامها
أقضى اللبانة لا أفرّط ريبة ... أو أن يلوم بحاجة لوّامها
_________
[١] بكرت: عجلت. بسل: إحرام. السلاب: خرقة سوداء تقنع بها المرأة فى المأتم. الإبة: الحياء.
1 / 11
٦- (الفقرة ١٠٧) قال الشماخ:
لم يبق إلا منطق وأطراف ... وريطتان وقميص هفهاف
وشعبتا ميس براها إسكاف ... يا ربّ غاز كاره للإيجاف
«إلا منطق» هكذا ضبطها دى غوية وتبعه الأستاذ. وهو خطأ. لأن «المنطق» كمنبر: «شقة تلبسها المرأة» وأول الشعر كما فى الديوان ص ١٠٢:
قالت ألا يدعى لهذا عرّاف ... لم يبق إلا منطق وأطراف
والصواب «إلا منطق» بفتح الميم وكسر الطاء، والمراد به النّطق، وجمعه مناطق. قال زهير (ديوانه ص ٣٤٤):
من يتجرّم لى المناطق ظالما ... فيجر إلى شأو بعيد ويسبح
يكن كالحبارى إن أصيبت فمثلها ... أصيب وإن تفلت من الصقر تسلح
1 / 12
[ب- ما يتعلق بالتحريف]
(والقسم الثانى من أقسام الملاحظات يتعلق بالتحريف، وهو كثير جدا فى ثنايا الكتاب [١] . ومن أمثلته:) ١- (الفقرة ١٠٧) قال الشماخ:
أو كظباء السّدر العبريّات ... يحضنّ بالقيظ على ركيّات
«يحضن بالقيظ»: هكذا جاءت فى طبعة ليدن، ونقلها الأستاذ كما هى. ولا معنى لها لأنها محرفة. والصواب «يصفن بالقيظ على ركيات» أى: يقمن فى زمن الصيف على آبار، كما فى الديوان ص ١٠٤ وقد ذكر دى غوية رواية أخرى فى هامش الكتاب، وهى «يحضرن» ولكن الأستاذ لم يذكرها.
٢- (الفقرة ٩٧):
وأخو الوجهين حيث وهى ... بهواه فهو مدخول
«حيث وهى» هكذا فى طبعة ليدن، ونقلها الأستاذ، وهو خطأ. والصواب كما فى النسخ المخطوطة «حيث رمى» وقد أشار دى غوية إلى أنها قد وردت كذلك فى أحدى النسخ، ولكن الأستاذ كعادته لم يذكرها.
٣- (الفقرة ١٢٧) كقول العباس بن مرداس السلمى:
وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس فى مجمع
وكذلك ورد مرة أخرى (فى الفقرة ٥١٤) وهو خطأ. والصواب «وما كان حصن ولا حابس» كما جاء فى النسخ المخطوطة كلها، وسيرة ابن هشام ٤: ١٣٧ ولسان العرب ٧: ٤٠٠ والأغانى ١٣: ٦٤ وخزانة الأدب ١: ٧٣ والموشح ص ٩٣، والبيت من قصيدة قالها العباس لما أعطى النبى ﷺ المؤلفة قلوبهم يوم حنين، وأعطاه أقل مما أعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزارى. ومن الغريب أن دى غوية
_________
[١] هذه دعوى عريضة. (أحمد محمد شاكر) .
1 / 13
ذكر فى هامش ص ٣٤، ١٦٦ أن رواية بعض النسخ المخطوطة: «وما كان حصن ولا حابس» ولكن الأستاذ لم يأبه لتلك الرواية.
٤- (الفقرة ١٦١) فى ترجمة امرئ القيس:
«فنزل على قوم منهم عامر ابن جوين الطائى فقالت له ابنته: إن الرجل مأكول فكله، فأتى عامر أجأ فصاح: ألا إن عامر بن جوين غدر، فلم يجبه الصدى، ثم صاح: ألا إن عامر بن جوين وفى، فأجابه الصدى، فقال: «ما أحسن هذه وما أقبح تلك» و«غدر فلم يجبه الصدى» تحريف واضح. والصواب كما فى الأصل المخطوط «غدر فأجابه الصدى» وإذا كان الصدى لم يجبه فى الأولى، وأجابه فى الثانية فكيف تسنى له أن يفاضل بينهما ويقول «ما أحسن هذه وما أقبح تلك»؟
ومن الغريب أن دى غوية أثبت ذلك عن بعض النسخ، ولكن الأستاذ لم يشر إليها.
وقد نقل صاحب الأغانى هذا الخبر عن ابن قتيبة (٩: ٩٠) وفيه: «غدر، فأجابه الصدى بمثل قوله، فقال: ما أقبح هذا من قول» .
٥- (الفقرة ٢٣٧) قال النابغة:
ستة آبائهم ما هم ... هم خير من يشرب صفو المدام
«ستة آبائهم ما هم» هكذا رسم شطر هذا البيت فى طبعة ليدن، وتبعه الأستاذ وهو خطأ، والصواب:
ستة آباء هم ما هم ... هم خير من يشرب صفو المدام
راجع خزانة الأدب ٢: ١١٨.
٦- (الفقرة ٣٦١):
«... وأخذ جملين، يقال لهما عوهج وداعر، فصارا بعمان، فمنها العوجهية والداعرية» وهكذا جاء فى طبعة ليدن «فمنها» . والصواب «فمنهما» .
٧- (الفقرة ٣٠٣):
وقدّمت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا
1 / 14
هكذا جاء فى الطبعتين: «وقدمت الأديم» وهو خطأ. والصواب «وقدّدت» وقد ذكر دى غوية: أنها جاءت كذلك فى بعض النسخ، ولكن الأستاذ قد تركها أيضا.
٨- (الفقرة ٧١٩) قال يزيد بن الطثرية:
يعجّل للقوم الشّواء يجرّه ... بأقصى عصاه منضجا أو مرمّدا
حلوف: لقد أنضجت وهو ملهوج ... بنصفين لو حرّكته لتقصّدا
هكذا جاء فى الطبعتين وهو خطأ، والصواب: «لتفصدا» بالفاء، أى: أن هذا اللحم الملهوج لو حركته لتفصد منه الدم.
٩- (الفقرة ٦١٣) من قصيدة لابن أحمر الباهلى:
فلا تحرقا جلدى سواء عليكما ... أداويتما العصرين أم لا تداويا
هكذا جاء فى الطبعتين «أم لا تداويا» وهو خطأ والصواب «أم لم تداويا» لأن «تداويا» فعل مضارع من الأفعال الخمسة محذوف النون، وهى لا تحذف نونها إلا إذا سبقت بناصب أو جازم، و«لا» النافية ليست بجازمة، وإنما الجازم هنا «لم» .
١٠- (الفقرة ٦١٨) قال يزيد بن مفرغ فى عباد بن زياد:
سبق عبّاد وصلت لحيته ... وكان خرّازا تجور فريته
هكذا فى الطبعتين «تجور فريته» وفى النسخ المخطوطة: «وكان خرازا تجود قربته» وكذلك جاء فى خزانة الأدب (٢: ٢١٣) .
١١- (الفقرة ٦١٨):
«فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وعذبه وسقاه التربذ فى النبيذ، وحمله على بعير وقرن به خنزيرة فأمشاه بطنه مشيا شديدا فكان يسيل على الخنزيرة فتصىء» والصواب «فأمشى بطنه ... فتصىء» بفتح التاء، جاء فى اللسان ١: ١٦٤ «صاءت العقرب تصىء إذا صاحت» .
1 / 15
١٢- (الفقرة ٦٦٥): من قصيدة لحميد بن ثور الهلالى فى وصف ذئب وامرأة:
ترى ربة البهم الفرار عشية ... إذا ما علا فى بهمها وهو ضائع
رأته فشكّت وهو أكحل مائل ... إلى الأرض مثنىّ إليه الأكارع
هكذا جاءت فى الطبعتين «أكحل مائل» وهو خطأ. وصحة التحريف:
رأته فشكت وهو أطحل مائل ... إلى الأرض مثنىّ إليه الأكارع
وكذلك جاء فى ديوان الشاعر ص ٣٧. وأمالى المرتضى ٤- ١٢١ وحماسة ابن الشجرى ص ٢٠٧ وفى لسان العرب (١٣: ٤٢٤) قال ابن سيدة: «الطحلة: لون بين الغبرة والبياض بسواد قليل كلون الرماد. ذئب أطحل وشاة طحلاء» .
قال الأخطل:
يشق سماحيق السلا عن جنينها ... أخو قفرة بادى السغابة أطحل
السماحيق: جلدة رقيقة تكون على جنين الناقة، وأطحل: كدر اللون، يعنى به الذئب.
١٣- (الفقرة ٦٦٧):
«... ولعل الأثاب أن تكون تسمّى أفناؤه جعلا، كما تسمى أفناء النخل وقصاره جعلا» هكذا فى الطبعتين «أن تكون تسمى أفناؤه جعلا» وهو خطأ.
والصواب: «أن تكون أقناؤه تسمى جعلا كما تسمى أقناء النخل وقصاره جعلا» كما جاء فى المخطوطات. والقنو: العذق.
١٤- (الفقرة (٧٨٧):
لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلّات بالعيدان
ورواية الأصل والديوان «لا ينكتون الأرض» وهو تعبير شائع فى الشعر.
١٥- (الفقرة ٩٠٨) قال الأحوص:
ستبلى لكم فى مضمر القلب والحشا ... سريرة حبّ يوم تبلى السرائر
1 / 16
ورواية الأصل المخطوط (وخزانة الأدب ١: ٣٣): «ستبقى» .
وفى الأغانى: أن عمر بن عبد العزيز أنشد قول الأحوص:
ستبقى لكم فى مضمر القلب والحشا ... سريرة حب يوم تبلى السرائر
فقال: «إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول» .
وقد أخطأ مصحح الجزء الرابع من طبعة الدار إذ جعلها «ستبلى» وعلق عليها بقوله: كذا فى الشعر والشعراء ص ٣٣٠ طبع أوربا. وفى الأصول والخزانة «ستبقى لها» ولو نظر فى هامش الصفحة التى أشار إليها من طبعة الشعر والشعراء لوجد دى غوية يذكر أن الرواية فى بعض النسخ الخطية «ستبقى» .
١٦- (الفقرة ٩٢٤):
«قال أبو سوّار الغنوى: رأيت ميّة وإذا معها بنون لها صغار، فقلت: صفها لى، فقال: مسنونة الوجه، طويلة الخدّ»، وأول الخبر محذوف. وهو كما جاء فى الأغانى (١٦: ١١٥) «قال محمد بن سلام: قال أبو سوار الغنوى» .
١٧- (الفقرة ٩٢٩) هذا البيت وشرحه:
من الفراش المقتضى عاش فى رنق ... رخف السّحايات ولّى غير مطعوم
السحايات: بقية الماء، «واحدتها سحاية» . لم يضبط دى غوية كلمة «السحايات» وضبطها الأستاذ بفتح السين وهو خطأ. وفيها مع ذلك تحريف وصحتها «السّحابات: بقية الماء، واحدتها سحابة» جاء فى القاموس: «السحبة بالضم كالسحابة: فضلة ماء الغدير» .
١٨- (الفقرة ٩٣٥) وأخذ ذو الرمة قوله:
إذا استهلّت عليه عيبة أرجت ... مرابض العين حتى يأرج الخشب
من معنى قول العجاج: «مشواه عطّارين بالعطور» وفى هذا النص تحريفان:
الأول فى «عيبة»، وصحتها كما فى ديوانه ص ٢٠ «غبية»، وهى الدفعة من
1 / 17
المطر. والثانى فى «مثواه عطارين» وصحتها كما فى ديوان العجاج المخطوط ص ٦٣ «مثواة عطارين» .
قال العجاج يصف ثورا ص ٦٣:
فبات فى مكتنس معمور ... مسّاقط كالهودج المخدور
كأنّ ريح جوفه المزبور ... فى الخشب تحت الهدب اليخضور
مثواة عطّارين بالعطور ... أهاضمها والمسك والكافور [١]
وإذا نظرنا إلى بيت ذى الرمة- الذى يقول ابن قتيبة إنه أخذ معناه من قول العجاج- لم نجد بينهما من الاشتراك ما يجعلنا نأخذ برأيه، وأكبر الظن أنه قد أورد بيتين لذى الرمة سقط ثانيهما من الكتاب وهو:
كأنه بيت عطار يضمنّه ... لطائم المسك يحويها وتنتهب
١٩- (الفقرة ٣٠٢):
«هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن عباد بن صعصعة بن قيس بن ثعلبة» وعلق الأستاذ على هذا بقوله «عباد بن صعصعة هكذا أثبت هنا وفى معاهد التنصيص، وهو خطأ، صوابه ضبيعة كما أثبت كل من ذكر نسب طرفة ونسب أقربائه. فإن المرقش الأصغر عم طرفة، واسمه ربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك، والمرقش الأكبر عم الأصغر، واسمه عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل. انظر المفضليتين ٤٥، ٥٥ وشرح القصائد العشر ٥٦ وجمهرة أشعار العرب ٨٣ والخزانة وغير ذلك» . وهذا جهاد فى غير عدو كما يقول الأزهريون، أضنى الأستاذ فيه نفسه وأجهد فكره، دون أن يأتى بأية فائدة تسوغ كتابة هذا التعليق الطويل. ولو رجع الأستاذ إلى المخطوطات لألفى فيها اسم «ضبيعة» صحيحا غير محرف ولا مبدل، ولما أثبت حرفا واحدا من تعليقه
_________
[١] المخدور: المستور. المزبور: المطوى. الهدب: الأطراف. اليخضور: الأخضر. مثواه: مقامة.
الأهضام: ضرب من الطين.
1 / 18
هذا. ومن الغريب أنى وجدت دى غوية قد ذكر فى هامش الكتاب اسم (ضبيعة) صحيحا نقلا عن بعض النسخ التى اعتمد عليها! أفما كان فى هذا وحده غناء عن ذلك الجهاد؟
٢٠- (الفقرة ٩٢٤):
«وكان ذو الرمة أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته مية بنت فلان طلبة بن قيس بن عاصم بن سنان»، وعلق الأستاذ على هذا بقوله: «هكذا أبهم المؤلف اسم أبيها، لعله نسيه، أو من أجل الاختلاف فيه، ففى اللآلى: أنها بنت عاصم بن طلبة، وفى ابن خلكان ابنة مقاتل بن طلبة» . ولو اطلع على الأصل المخطوط لعلم أن المؤلف لم يبهم اسم أبيها ففى ورقة ٧٨: «مية بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم بن سلام» وكنت أعتقد أن الأستاذ لم يحكم بأن المؤلف أبهم اسم أبيها إلا بعد أن رأى أن النسخ التى اعتمد عليها دى غوية أجمعت كلها على أنها «بنت فلان» ولكنى عجبت العجب كله عندما رأيت فى طبعة ليدن ص ٣٣٥ أن بعض النسخ فيها «بنت مقاتل» .
٢١- (الفقرة ٩٣٩) قال الراعى يصف ناقته:
وواضعة خدّها للزما ... م فالخدّ منها له أصعر
ولا تعجل المرء قبل البرو ... ك وهى بركبتها أبصر
والصواب كما جاء فى المخطوطات:
ولا تعجل المرء قبل الركو ... ب وهى بركبته أبصر
٢٢- (الفقرة ٤٤٣) قال الأعشى:
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ... فى جحفل كهزيع الليل جرّار
ورواية الأصول المخطوطة والديوان: «فى جحفل كسواد الليل جرار» وهى الصواب، لأن الهزيع هو القطعة من الليل، والمراد وصف الجيش بالكثرة.
1 / 19
٢٣- الفقرة ٨٥:
زوجك يا ذات الثنايا الغرّ ... الرّتلات والجبين الحرّ
والصواب كما جاء فى المخطوطات: «ويحك يا ذات الثنايا الغر» .
٢٤- (الفقرة ١٣٩):
«هو امرؤ القيس بن حجر بن عمرو الكندى» هكذا ورد فى الطبعتين، والصواب «... بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندى» راجع (خزانة الأدب ١: ٢٩٩) .
٢٥- (الفقرة ٤٤٣) قال الأعشى:
خيّره خطّتى خسف فقال له ... اعرضهما هكذا أسمعهما حار
ورواية الديوان:
خيره خطتى خسف فقال له ... مهما نقله فإنى سامع حار
وهناك رواية أخرى ذكرها دى غوية فى هامش الكتاب وهى «قل ما تشاء فإنى سامع حار» ولكن الأستاذ لم يشر إلى هذه ولا إلى تلك، وارتضى الأولى التى لا يكاد اللسان يقيم نطقها.
1 / 20
[ج- ما يتعلق بالشرح والتعليقات، وعدم الرجوع إلى المخطوطات، والاعتماد على المصادر الثانوية فى تحقيق النصوص]
(أما الملاحظات التى تتعلق بالشرح والتعليقات، وعدم الرجوع إلى المخطوطات، والاعتماد على المصادر الثانوية فى تحقيق النصوص، فإنى أجمل الكلام عليها وأكتفى ببعض النماذج منها:) ١- الفقرة (١٠٧) قال الشماخ:
لما رأتنا واقفى المطيات ... قامت تبدّى لى بأصلتيّات
غرّ أضاء ظلمها الثنيّات ... خود من الظعائن الضّمريّات
ترك الأستاذ شرح الأصلتيات مع غرابتها، ومعناها: الأسنان الجميلة المستوية البراقة، وشرح الشطر الأخير بقوله «الخود: الفتاة الحسنة الشابة. الضمريات: من الضمور وهو الهزال، فالضمر من الرجال المهضم البطن اللطيف الجسم والأنثى ضمرة» والصواب فى شرح الضمريات ما قاله الشنقيطى فى شرح الديوان «الضمريات صفة ظعائن، أى: هن من بنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة» .
٢- (الفقرة ٥٤٨) قال الشماخ:
تخامص عن برد الوشاح إذا مشت ... تخامص حافى الرّجل فى الأمعز الوجى
وشرح الأستاذ البيت بقوله «تخامص: تتخامص، أى تتجافى عن المشى.
الأمعز: الأرض الغليظة ذات الحجارة. الوجى: الحافى وهو هنا صفة للحافى» والذي فى لسان العرب نقلا عن ابن السكيت: «الوجى أن يشتكى البعير باطن خفه» ويقول الأعشى فى هذا المعنى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشى الهوينا كما يمشى الوجى الوجل
وقد جاء بيت الشماخ صحيحا فى ديوانه: «تخامص حافى الخيل فى الأمعز الوجى» .
وذكر دى غوية أن بعض النسخ فيها «تخامص جافى الخيل» . ولها وجه، جاء فى لسان العرب: «جفا الشىء يجفو جفاء: لم يلزم مكانه، كالسرج يجفو عن الظهر، وكالجنب يجفو عن الفراش» .
1 / 21
٣- (الفقرة ٥٣٣): فى ترجمة النمر بن تولب: «وهو القائل لرسول الله ﷺ:
إنا أتيناك وقد طال السّفر ... نقود خيلا ضمّرا فيها عسر
نطعمها الشحم إذ عزّ الشّجر ... والخيل فى إطعامها اللحم ضرر
الشحم: يعنى اللبن» وعلق الأستاذ على هذا بقوله: «تفسير الشحم باللبن شىء نادر جدا لم أجده إلا للمؤلف» قلت قد ذكر دى غوية أن بعض النسخ فيها «نطعمها اللحم» وقد جاء فى لسان العرب (١١: ١٦٢):
نطعمها اللحم إذا عزّ الشجر ... والخيل فى إطعامها اللحم ضرر
إنما يعنى أنهم يسقون الخيل الألبان إذا أجدبت الأرض فيقيمها مقام العلف» .
٤- (الفقرة ٩١٩): فى ترجمة ذى الرمة: «وكان يوما ينشد فى سوق الإبل شعره الذى يقول فيه ... عذّبتهنّ صيدح. وصيدح: اسم ناقته، فجاء الفرزدق فوقف عليه ...» .
وعلق الأستاذ على ذلك بقوله: «لم أجد هذه الجملة فى القصيدة الحائية التى يظن أن تكون منها فى ديوان ذى الرمة، ولكن البيت ثابت فى الأغانى» . أقول: بل هى منها كما فى ديوانه المطبوع فى أوربا ص ٨٧، وفى ديوانه المخطوط بدار الكتب ورقة ٢٠٣. قال ذو الرمة:
إذا مات فوق الرحل أحييت روحه ... بذكراك والعيس المراسيل جنّح
إذا ارفضّ أطراف السياط وهلّلت ... جروم المطايا عذّبتهنّ صيدح
وقد اعتمد الأستاذ على الديوان المطبوع فى بيروت سنة ١٣٥٣ هـ وما كان ينبغى له أن يعتمد عليه، وقد ذكر ناشره فى مقدمته أنه حذف منه ما يتعلق بوصف الإبل والفيافى! ٥- فى ترجمة مالك بن الريب: «وهو القائل فى الحبس:
أتلحق بالرّيب الرّفاق ومالك ... بمكة فى سجن يعنّيه راقبه»
1 / 22
شرحه الأستاذ بقوله: «يعنيه: يحبسه حبسا طويلا» والصواب: يعنيه: يذيقه ألوان العذاب، لأن الراقب- وهو ملاحظ السجن- لا يملك إطالة مدة الحبس أو تقصيرها، وإنما يملك ذلك الأمير.
٦- (الفقرة ٩٢٩) من شعر هشام أخى ذى الرمة:
حتى إذا أمعروا صفقى مباءتهم ... وجرّد الخطب أثباج الجراثيم
وآب ذو المحضر البادى إبابته ... وقوّضت نيّة أطناب تخييم
ألوى الجمال هراميل العفاء بها ... وبالمناكب ريع غير مجلوم
شرح الأستاذ البيت الأول بقوله: «أمعروا: أكلوا. الصفقتان: الناحيتان.
المباءة: منزل القوم حيث يتبوؤون. الخطب- بضم الخاء وسكون الطاء- جمع أخطب، وهو الحمار تعلوه خضرة» . وهو خطأ، لأن الشاعر لم يرد بالخطب الحمير، وإنما أراد النوق التى كانت ترعى. جاء فى لسان العرب «الحطب جمع خطباء، وناقة بينة الخطب، والخطب، والخطبة: لون يضرب إلى الكدرة مشرب حمرة فى صفرة، كلون الحنظلة الخطباء قبل أن تيبس» . وشرح البيت الثانى بقوله:
«آب: أى: رجع. إبابته: أي رجوعه، يقال: آب إلى وطنه نزع» والصواب أن يقال فى تفسيرهما: آب إبابته: أى: نزع نزوعه إلى وطنه.
وشرح البيت الثالث بقوله: «ألوى الجمال: ذهبن. هراميل العفاء بها: حال من الجماعة. الهراميل: جمع هرمول- بضم الهاء: قطعة من الشعر. العفاء: ما كثر من الوبر، يريد متساقطة الوبر. الريع: الزيادة. غير مجلوم: غير مقطوع» وهذا شرح مضطرب لا يجلو معنى البيت. ولست أدرى من أين أخذ الأستاذ أن الشاعر يريد أن يصف الإبل التى شبعت من المرعى بأنها متساقطة الشعر، وكيف يوفق بين معنى شطرى البيت؟ أيجوز أن يقول الشاعر فى صدر البيت: إن وبرها متساقط من المرعى، ثم يقول فى عجزه: إن وبرها كثير نام غير مقصوص أو مقطوع؟ وفى البيت تحريف يبهم معناه، فالشاعر لم يقل «ألوى الجمال» كما ذكر
1 / 23
الناشران، وإنما قال «آلوا الجمال» جاء فى لسان العرب (١١: ٣٤):
حتى إذا أمعروا صفقى مباءتهم ... وجرد الخطب أثباج الجراثيم
آلوا الجمال هراميل العفاء بها ... على المناكب ريع غير مجلوم
آلوا الجمال: أى: ردوها لير تحلوا عليها» .
٧- (الفقرة ٩٢٩) من القصيدة نفسها:
واستنّ فوق الحذارى القلقلان كما ... شكل الشّنوف يحاكى بالهيانيم
الحذارى: جمع حذرية وهى الأرض الصلبة. والقلقلان: النبت» .
وشرح الأستاذ هذا النص بقوله: «استن: أسرع» . كما شكل «ما» زائدة، أراد كشكل الشنوف. جمع شنف. وهو القرط الذى يلبس فى أعلى الأذن. الهيانيم:
جمع هينمة. وهى الصوت الخفى لا يفهم. والقلقلان كما فى اللسان: شجر أخضر ينهض على ساق. ومنابته الآكام دون الرياض، وله حب كحب اللوبياء يؤكل، والسائمة حريصة عليه» وهذا شرح قاموسى لا يوضح المعنى للقارئ. وإذا كانت «ما» زائدة كما قال الأستاذ فلماذا ضبط شكل بضم اللام؟ والصواب «كما شكل» بكسر اللام. واستن القلقلان: اضطرب وتحرك. أراد عندما يبس. وكان من الواجب على الأستاذ أن لا ينقل ما نقله فى تعريف القلقلان عن اللسان، لأنه لا يفيد ولا يعين على اجتلاء التشبيه، وأن ينقل بدله ما جاء فى اللسان (١٤: ٨٣):
القلقلان: نبت ينبت فى الجلد وغلظ السهل. وله سنف أفيطح ينبت فى حبات كأنهن العدس فإذا يبس فانتفخ وهبت به الريح سمعت تقلقله كأنه جرس» . فهذا التعريف هو الذى يجلو معنى البيت ويفصح عن وجه الشبه الذى أراغ إليه الشاعر.
1 / 24