Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
Genre-genre
سبب نزول قوله تعالى: (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسباب نزول الآية التاسعة عشرة قوله تعالى: «أَوْ كَصَيِّبٍ»] يعني: عندنا في السورة مثلان، اصطلح أهل التفسير على تسميتهما: بالمثل الناري، والمثل المائي.
والأمثال في القرآن علم، قال ﷿: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت:٤٣]، وكان بعض الصالحين يقول: إني إذا قرأت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي.
وأمثلة القرآن على نوعين أمثلة ظاهرة، وأمثلة كاملة، فمن الأمثلة الظاهرة قول الله ﷿: ﴿مَثَلُهُمْ﴾ [البقرة:١٧] أي: مثل المنافقين ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة:١٧]، يعني: إذا قال المنافق: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله فهل هو صادق أم كاذب؟ هو كاذب، قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون:١]؟ فالمنافق كذاب، لكن لما قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فالمسلمون عاملوه بالظاهر، فأجروا عليه أحكام لا إله إلا الله، فعصموا دمه وماله، وزوجوه وتزوجوا منه، فهو انتفع بلا إله إلا الله في الدنيا، لكن إذا نزل به الموت لا تنفعه لا إله إلا الله.
قوله تعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة:١٧] هذا هو المثل الناري، إنسان أوقد نارًا ثم انتفع بضوئها في أحلك اللحظات، وفي أحوج ما يكون إليها أطفأها الله، فكذلك المنافق قال: لا إله إلا الله كاذبًا؛ فانتفع بها في الدنيا، لكن عند الموت لو جئنا بمكبر صوت أقوى من هذا ووضعناه في أذنه وقلنا: يا فلان قل: لا إله إلا الله، فبعض الناس قال: أنا كافر بلا إله إلا الله، وبعض الناس قال: هي أشد علي من الجبال الراسيات، لو وضعتم علي جبلًا لكان أهون من أن تقولوا لي: قل: لا إله إلا الله، فالله ﷿ ضرب هذا المثل، وضرب مثلًا آخر فقال: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة:١٩]، الصيب هو المطر ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:١٩].
ضرب الله هذا المثل، لعدم انتفاع المنافقين بأنوار الوحي، فالقرآن بالنسبة للمؤمنين تطمئن به القلوب وتخشع، وتدمع به العيون، ولكن القرآن بالنسبة للمنافق ظلمات، ولذلك كانوا يستمعون للقرآن من الرسول ﷺ مع الصحابة، لكن إذا خرجوا قال بعضهم لبعض: ﴿مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾ [محمد:١٦].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخرج ابن جرير من طريق السدي الكبير عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مُرَّةَ عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد، وصواعق وبرق، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يضعان أصابعهما في آذانهما من الفَرق -ي: من الخوف-أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا، فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدًا فنضع أيدينا في يده، فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يد الرسول ﷺ وحسن إسلامهما، فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلًا للمنافقين الذين بالمدينة.
قال ابن عباس: وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي ﷺ جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقًا من كلام النبي ﷺ، أن ينزل فيهم شيء] يعني: كما قال الله عن قوم نوح: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح:٧].
10 / 5