Syaitan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Genre-genre
قال: صدقت؛ فتوجه بي إليه، وأعد ما أقوله لك بلسان الشياطين عليه.
قال الهدهد: فقصدنا قصد الفتى، وكان جالسا فنهض نشطا ينتظر الإشارة، فقال له النسر بلساني وهو هش به بش: اعلم يا بني أن التاجر الحق يدخل الحانوت ليباشر عمله، فلا يزال فيه على قدم حتى يخرج منه ليرتدي لباس الليل؛ لأنه في هذا الموقف بين يدي الرازق، وهو يحب المتأدبين، وينفخ من روحه في الناشطين، فإن كان المشتغل بالتجارة صاحبها، وجده المعامل حاضرا، ووجده العامل ساهرا، ووجد نفسه صابرا على العمل قادرا؛ وإن كان من الأجراء فيها بلغ عند رئيسه منزلة في الحب والثقة، وتحبب إلى الناس بأدبه، وتقرب إليهم بنشاطه، فإذا وفق يوما ما لإنشاء محل وتأسيس تجارة مال الناس إليه، وأقبلوا عليه، وكانت سيرته المعلومة عندهم، وأخلاقه المعروفة لديهم، خير ما يعلن به أمره، مهما كثرت أساليب الإعلان في هذا الزمان.
قال الفتى: أعتذر إليك يا سيدي، وأشكرك على هذه النصيحة. والآن ماذا تأمر؟
قال النسر: أريد دواة، ولا أكتمك أنني كثير الكتابة، فلا أصبر على دواة واحدة.
فجاءه الفتى بها غالية، من صنعة عالية، فقلبها ثم ردها إليه وتبسم فقال: لو استوصفتني يا بني كيف أريدها، وبأي ثمن، لكفيت نفسك تعب الرجوع بها من حيث جئت، وإنه لأجلب لراحة المشتري أن يكثر عليه التاجر في الأسئلة حال الطلب من أن يملأ الحانوت بين يديه بضاعة، ويضيع عليه جانبا عظيما من زمنه في بحث وتنقيب، وتأمل وتقليب؛ على أنني عرفتك بخفي الإشارة ماذا أريد، إذ قلت لك إني كثير الكتابة لا أصبر على دواة واحدة؛ ومن كان كذلك لا يقتني هذه الأداة من ذهب ولا فضة، بل ربما استكثرها لنفسه من الخشب والنحاس.
قال الفتى: أشكرك يا سيدي على هذه النصيحة بعد النصيحة. ثم إنه عرض على الأستاذ دواة كبيرة الحجم قليلة الثمن، فرغب عنها؛ فجاءه بأخرى أقل حجما وثمنا، فقلبها ثم دفعها؛ فأتاه بثالثة فردها كذلك، ثم ما زال حتى بدا عليه الملل وظهر عليه الغضب، وأحس الأستاذ ذلك منه، فقال يخاطبه: لعلك من الملائكة يا بني؛ فقد صبرت لنصيحتين، وأراك على استعداد لقبول الثالثة بالرغم مما بدا عليك من دلائل الضجر؛ وقل من صبر من الناس لنصيحة واحدة.
فاعلم يا بني أن بيوت التجارة لا تعمر ولا يرفع لها عماد حتى تكون أوسع من صدر الحليم، وأرحب من فناء الكريم، تخف بالثقلاء، ويدارى فيها السفهاء، ويعالج البخلاء، ويصبر للأغبياء، ويتهافت على الغلظاء، ويحمل فيها الكبرياء؛ والتاجر يا بني قد يساوم ساعة في الخرزة ثم لا يبيع، وقد لا يساوم لحظة في درة يبيعها؛ وفي هذه الحالة يكون قد خسر في الأولى أضعاف ما ربح في الثانية؛ إذ جملة ما يقال عنه: ليس في حانوته خرزة تشترى! ثم يناقش هو نفسه فيقول في خاصتها: عجزت عن بيع خرزة.
ألذ الجدال يا بني وأطيب المناقشة وأشهى المغالطة، ما كان بين البائع والشاري؛ لأنهما في الحقيقة خداع تجاه خداع، يصدم الحرص بينهما بالحرص، ويحارب الطمع بالطمع، ويقاتل الغش بالغش، ولا ينفع التاجر في هذا الموقف ولا يظهره على قرنه إلا الصبر؛ فلعلك بعد هذه النصيحة من التجار الصابرين!
قال: سأصبر يا مولاي حتى تراني أرضي المريض والأفين، والشحيح الضنين.
قال: بورك فيك يا بني؛ والآن عندي نصائح أخر ربما نفعتك في عملك هذا، فهل لك فيها؟
Halaman tidak diketahui