Syaitan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Genre-genre
قال: تردد، ثم نقل الحديث إلى أمي فلم تصدقه، وحلفت بنعمة الآلهة أنني أحضر ذهنا وأصح فهما منه ومن أولاده الثلاثة!
قال: إنه صديق لأبيك ولوالدي، ولولا هذه الصداقة لما اتخذنا تلميذين له، فليتها لم تكن ولم ندخل هذا القبر على قيد الحياة!
قال: لكن الناس إجماع على أن هذه الصناعة التي يمارسها هي سلم الارتقاء في خدمة الأمراء والأغنياء، وأن كثيرا من الكتبة وصلوا فيها إلى الجاه العظيم، وحصلوا معها على المال الجسيم؛ وقد حدثني أبي - وأنت تعرف مكانته في العلم والفضل - أنه رغب في الاتصال بالأمير «أوني» أحد أنجال الملك، وكان في ديوان حجابه عمل يحتاج إلى عامل، فطلبه أبي بسفارة صديقه هذا الذي سئمنا من رؤيته، وهو كما تعلم المأمور المتصرف في ديوان أمواله، فعرض اسمه على الأمير في جملة ما عرض من الأسماء، فلم يقع اختياره إلا على واحد من الكتبة، لكن أبي لا يبرئ هذا الشيطان، ويتهمه بكونه يظهر ما لا يبطن، كدأب جماعة الكتبة المتفقين على أن يأخذ بعضهم بيد بعض في الأمر كله، وهذا هو سبب قوتهم وسر نجاحهم!
قال الهدهد: فعجبت لمصر أم العجائب، كيف صبرت آلافا من السنين على حال واحد مع هؤلاء الكتبة، فكانوا على عهد الفراعنة هم أنفسهم وقت دخول العرب، إلى زمن المماليك، إلى أيام محمد علي، إلى حكم إسماعيل، إلى عصر الاحتلال، وفيه ظهرت الشهادة الابتدائية، وأختها الثانوية، فمات بها الجهل وماتت الكتابة القديمة، لكن هلك كثير من طلبة الرزق في الحكومة بين طلبة العلم عن غير شهادة! وحرت في نفسي فلم أدر أأبكي ذلك اليسر مع الجهل، أم أبكي من هذا العسر مع العقل، وكنت قد استبشرت عندما سمعت اسم الأمير أوني، وعرفت من حديث الغلامين أن الديوان له، وهؤلاء الكتبة أتباع له، وأملت أني أستدل على القصر بأحدهم، فتحقق أملي على الفور، إذ لم يلبث الرئيس أن نهض، فالتفت إلى من يليه من الغلمان وأخبره أنه ذاهب إلى القصر لمقابلة الأمير في بعض الشئون، ثم خرج من الباب فسبقته من النافذة وأنا أستغرب هذا الاتفاق، وأتعجب من المصادفات كيف تنساق! فما زال في سيره وأنا في أثره، حتى احتوانا طريق ضيق، جمعتني العناية فيه بالنسر، وكان يمشي متمهلا كثير التلفت، فلم أتمالك عن الوقوع على كتفه؛ فلما صرت في عشي المألوف منه، التفت مبتسما مسرورا، وقال: لقد خفنا على الهدهد الضلال!
قلت: ما زلت يا مولاي تضله، وما برحت العناية تدله!
ثم حدثته حديثي وما وعيت من محاورة الغلامين، فاستضحك ثم قال: انظر كيف يستفيد الغريب من الضلال أضعاف الفائدة من الاستدلال!
قلت: لقد أوشكت يا مولاي أن أضل حلما فيكم وفي شئونكم الغريبة، وأحوالكم العجيبة؛ لأنكم تهزلون وتجدون، وتصغرون وتعظمون، وتجهلون وتعقلون، كيف يكون مثل ذلك الكاتب على ديوان أموال الأمير وفي المملكة من يصلح لهذا العمل، وأمثاله من طلبة العلم بين شبان البلاد الأكفاء؟
قال: وأي كبير لا يصغر أحيانا يا بني؟ إن للأمة الكبيرة - كما للفرد الكبير - زلات وجهالات، تدل على الكمال الكامل للآلهة وحدهم، فإذا دخلت على قوم ديارهم فلا تحكم على أشيائهم متفرقة، واحكم عليها مجتمعة.
ثم أفضى بنا المسير إلى ميدان وسيع، فيه قصر رفيع، فمشى النسر نحوه، فسألته: لعلها دار الأمير يا مولاي؟
قال: نعم، وليس ما ترى إلا قصرا من نحو مائة قصر، يحيط بها سور واحد، ويأوي إليها الملك ونساؤه وأولاده وأرباب خدمته، كل بقدر درجته في القرابة، وحسب منزلته في الصحبة وموقفه في الخدمة.
Halaman tidak diketahui