وليس أدل على ذلك من عنفه بالمسلمين وشدته عليهم، وعلى من كان يظهر الرقة لهم أو الميل إليهم.
والرواية التي يتناقلها الرواة عن إسلامه تصور ذلك أصدق التصوير وأقواه، فهو قد خرج ذات يوم محفظا ثائرا متقلدا سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة، فسأله عن وجهته. قال عمر: أريد أن أقتل محمدا. قال الرجل: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة إن قتلت محمدا؟ قال عمر: لعلك قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه؟ قال الرجل: فهل أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دين آبائهما.
هنالك غير عمر وجهه، ومضى إلى أخته وقد بلغ الغضب منه أقصاه، فلما بلغ الدار سمع كأن أهلها يقرءون، وكان عند أخت عمر وزوجها رجل من المسلمين، هو خباب بن الأرت، فلما سمع خباب حس عمر استخفى، ودخل عمر على أخته وزوجها، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها؟ قالت أخته: ما عدا حديثا كنا نتحدثه. قال عمر: بل لعلكما قد صبوتما؟ قال ختنه: فإن كان الحق غير ما أنت عليه يا عمر؟ هنالك لم يملك عمر نفسه، فاندفع إلى ختنه يبطش به بطشا شديدا.
وأقبلت أخته تريد أن تحول بينه وبين زوجها، فلطمها عمر لطمة أدمت وجهها، فقالت أخته: أفإن كان الحق غير ما أنت عليه؟! ثم أعلنت إليه إسلامها، فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ورأى عمر الدم على وجه أخته، فكأنه رق لها وطلب إليها أن تريه الصحيفة التي كانوا يقرءون فيها، فزعم الرواة أنها قالت له: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون. وأمرته أن يتطهر قبل أن تريه الصحيفة، واستجاب لها عمر، فيقول بعض الرواة: إنه ذهب فاغتسل.
ويقول بعضهم: إنه ذهب فتوضأ. ثم دفعت أخته إليه الصحيفة، فقرأ فيها الآيات الكريمة الأولى من سورة طه إلى قول الله - عز وجل - من هذه السورة:
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري .
وكأن هذه الآيات بلغت أعماق قلبه، فقال: دلوني على محمد. وسمع خباب مقالته، فخرج من مخبئه وهو يقول: أبشر يا عمر! فإني أرجو أن يكون الله قد استجاب لدعوة النبي
صلى الله عليه وسلم
حين قال: اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام.
قال الرواة: فذهب عمر إلى دار الأرقم التي كان النبي يجلس فيها لأصحابه، وكان على باب الدار نفر من أصحاب النبي، فلما رأوا عمر مقبلا راعهم مقدمه، وكان فيهم حمزة بن عبد المطلب.
Halaman tidak diketahui