Syekh Abdul Qadir Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Genre-genre
هوامش
المغربي الفقيه
رأينا أن أسرة المغربي أسرة قضاء وفتيا منذ عهد بعيد، فقد تقلد جده الأعلى يوسف درغوث «طورغود»، وكان من كبار علماء الحنفية في تونس، ومن أبناء طورغود باشا أمير البحر العثماني ودفين طرابلس الغرب، منصب مفتي الحنفية في تونس وتسلسل ذلك المنصب السامي في أعقابه من بعده يتوارثونه ولدا عن والد. فقد قتل المفتي الشيخ يوسف في ثورة عسكرية سنة 1088ه وسمي ولده عبد الكبير مفتيا للحنفية بعده. ثم عزل مرة وأعيد بعدها إلى أن مات فخلفه ولده يوسف، وظل في الإفتاء طوال حياته ، ثم خلفه ابنه محمد.
ولما حصل الانقلاب الكبير في الدولة التونسية، وانتقل الملك من أبناء الباي علي بن محمد إلى أبناء الباي حسين بن علي قبل سنة 1170ه عزل محمد درغوث من منصب الإفتاء وسمي ابن بيرم مفتيا للحنفية، وهكذا انتقل هذا المنصب الإسلامي السامي من الأسرة الدرغوثية إلى الأسرة البيرمية بعد أن تقلب أبناؤها فيه أكثر من قرن، ورأى رجالات الأسرة الدرغوثية أن العهد الجديد قد ثقل عليهم فاضطروا إلى الهجرة إلى الشرق، وكان الشيخ محمد درغوث أحد أفراد الأسرة زار الشرق، ومر بمدينة طرابلس الشام، فاتخذها سكنا، وعرف أهلها فضله، فأحبوه والتفوا حوله يفيدون من عمله وبركاته، وأصبح لقب الأسرة «المغربي» بعد أن كان «درغوث» واستوطن بعض أفراد الأسرة الدرغوثية، محمد أحفاد الشيخ محمد الكبير، مصر واتخذوا دمياط مقرا لهم ونبغ فيهم الشيخ عبد القادر مفتي دمياط حوالي سنة 1150ه. وظل الشيخ محمد في طرابلس حتى توفاه الله، وسار أبناؤه وأحفاده على سيرته، وتقلد حفيده عبد الرحمن الجد الأعلى للمغربي منصب الإفتاء في طرابلس الشام واللاذقية خمسا وأربعين سنة، وقد ترجمه المرادي في سلك الدرر وقال إن وفاته كانت سنة 1211ه، وإنه كان من رجال الدين الورعين، كما تولى حفيده الشيخ أبو الهدى عبد القادر قضاء طرابلس، وقد كان تلقي العلم في الأزهر عن الدسوقي والطحطاوي والمنوفي والشنواني، وتلقى الطريقة الخلوتية عن الشيخ محمد بن عبد الكريم السقاط المتوفى 1209ه، وبقي في قضاء طرابلس حتى دخول المصريين إليها، وتسلسلت النزعة العلمية الإسلامية في أبناء الشيخ عبد الرحمن جد الفقيد الأعلى وكان الشيخ مصطفى والد الفقيد من رجال الدين الأفاضل في طرابلس، وقد حدثتكم بطرف عن حياته وأثاره ووظائفه الدينية التي تقلدها.
أما ابنه عبد القادر المغربي فقد نشأ نشأة دينية - كما أسلفنا - وأراد والده أن يجعله فقيها محافظا يقف عند النصوص الواردة في كتب الفقه الحنفي ويسلم بها ولا يناقشها؛ لأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولأن ما بلغت إليه نصوص فقهائها المجتهدين هو الأوج. وأن نصوصهم لا مجال للاجتهاد عندها، وقد قدمنا أقوال المغربي في ذلك، ونريد أن نبين تحطيم المغربي لتلك السدود بعد أن اتصل بالمصلح الأفغاني والمفتي محمد عبده، فإنه صار يقول: «يحاول قوم من الجامدين أن يأخذوا أولئك المتنورين بالتقليد الأعمى، وأن يحملوهم على الإذعان والتصديق بمجرد نقل النصوص وسرد أقوال المتفقهين، ولكن محاولة هذا منهم هي مقاومة الطبيعة والنجاح في أمر مقاومتها أمر مستحيل.
عقل حر في نفسه، حر في تربيته، حر في حكومته، حر في عصره، حر في الوسط الذي يعيش فيه؛ تكلفه أن يقلد غيره تقليدا أعمى؟ اللهم إن هذا تكليف ما لا يطاق.»
1
فهو، كما تسمعون، يرى أنه من الواجب على الفرد مناقشة أقوال المتفقهين وعدم التسليم بنصوصهم وتقليدهم تقليد الجاهل دون دراسة حججهم وأدلتهم. ويرى أن أولى خطى الإصلاح الديني هي في التربية والتعليم، فإذا ما ربي الأطفال المسلمون تربية إسلامية صحيحة فاز المسلمون وسلكوا الجادة المستقيمة التي تؤدي إلى رقيهم وتقدمهم، وقد أكثر المغربي من الكتابة في هذا الأمر منذ فجر حياته إلى أن توفاه الله، وضمن قسما من آرائه في الإصلاح والفقه الإسلامي «كتاب البينات»، وإليكم ما قاله في المقال الأول الذي افتتح به الجزء الأول من هذا الكتاب بعنوان «الإصلاح الإسلامي»
2
وقد كان كتبه سنة 1909م/1327ه: ... إن لم يرد رجال الدين العناية بأمر الإصلاح الإسلامي فلا يحسبوا أنهم بذلك يعوقون حركة الانقلاب العام في أمم الإسلام، أو يعوقون نهوض هذه الأمم وعروجها في معارج الحضارة والعمران «كلا»، إذ أن القوة المادية أصبحت اليوم بيد رجال السياسة، وفي طاقة هؤلاء أن يذللوا بها كل صعوبة تعترض سيرهم مهما كان نوعها.
Halaman tidak diketahui