والإنسان يذنب والله يعفو. وهذه هي الحكمة في وجود خالق ومخلوق.
أنا ابنه، هذا حق، وليقبلني كما أنا، وإذن فهناك مغزى، هناك مغزى على أية حال، أنا رجل مذنب ومن الممكن قبولي، لست لا شيء متجها نحو لا شيء، إنما هو ذنب يتجه نحو العفو، إنه مخلوق بشري يتجه نحو المحبة.
وليذكر القارئ أن الإنسان الساذج الذي يحيا حياة طبيعية لا يرى في الاتصال بالجنس الآخر إثما، تقول فيليب الفتاة التي غرر بها وقادها إلى الفسق معه:
إنني فتاة ساذجة، أرى العالم وأرى نفسي كما تعلمت، أنا ممعنة في الإثم ولكن حب الله لم يتخل عني، يقول الناس إن من يكون في مثل موقفنا عليه أن يقابل ربه، وأعتقد في صدق ذلك، ولن أخشى أن أبوح بما في نفسي لله وأنت بجانبي (تخاطب جراندير القسيس)، حتى في حالة ارتكابنا الخطيئة، لأني اعتقد أن الله طيب، حكيم، رءوف دائما.
غير أن السلطات الحاكمة في فرنسا في ذلك الحين ورجال الدين المعتقدين في الله اعتقادا سطحيا أساءوا فهم الرجل، فقدموه إلى المحاكمة، وطلبوا إليه أن يعترف بما اقترف من آثام، فأصر على الإنكار وصدر فيه الحكم بالموت حرقا، وفي أثناء المحاكمة تتمثل لنا في صورة قوية شخصية الرجل المؤمن في عناد المدرب على التفكير المستقيم.
ونشهد في المسرحية منظرا مؤثرا جدا من صلابة الرجل وإصراره على عدم الاعتراف بالذنب ورفضه التوقيع على وثيقة الاتهام.
وأخيرا ينفذ فيه حكم الإحراق ويتبدد جسمه وتتناثر أشلاؤه في الهواء شذر مذر، ويتهافت الناس على بقايا من الجسم المخترق يحتفظون بها للتبرك، وهكذا يموت الرجل شهيدا في سبيل الله.
ويسأل عامل من عمال المجاري رئيسة الراهبات التي كانت تهذي بجراندير في حياته وتكبت في نفسها رغبة عارمة في الاتصال به، يسألها متهكما وقد أمسك في يده بعظمة محترقة: هل تريدينها لأمر ما؟
فتهز رأسها، وتصيح: جراندير ... جراندير ... (وهو اسم القسيس) في نهاية المسرحية.
ويصور الكاتب العقيدة في الخرافة التي كانت شائعة في القرن السابع عشر حتى بين الكهان ورجال الدين؛ لكي يرسم لنا للقداسة صورة ليست مطهرة كل التطهير، وفي يأس من صلاح الدنيا حتى بعدما يبذل في سبيل ذلك من تضحيات وأرواح، يقول الكاتب على لسان أحد الأساقفة بعد إحراق جراندير:
Halaman tidak diketahui