هذه الجثة الهامدة بهذه الحقيقة الهائلة أبطلت كل المظاهر، ولقفت كل هذه الصفوف، وأجبرتها على الشخوص نحوها والتفكير فيها، بل جمعتها فكانت جمعها، وفذلكة حسابها، أو كما يقول المعري:
لو نخل الناس لما حصلت
شيئا، سوى الموت، يد الناخل
لا أقول هذا تثبيطا للأحياء ودعوة إلى الحزن والبكاء كما يذهب المعري وأمثاله، ولكن أدعو إلى العمل والإقدام والتوكل والتقدم في غير غفلة عن الحقائق، ومع الاعتبار بالحادثات، والاتعاظ بالواقعات.
الجمعة 6 شوال/21 يوليو
البكور يطيل العمر
يقال: إن التبكير يطيل العمر، ويروى في الأثر: بورك لأمتي في بكورها. ومعنى طول العمر والبركة اتساع الوقت للعمل، فالمبكر يدرك من الزمان ما لا يدركه النئوم الكسول الذي يستيقظ بعد أن يمضي ريق النهار، فهو يعي من الزمن أكثر مما يعي من تأخرت يقظته كل يوم، وهو يبادر إلى العمل فيسبق من يتأخر عنه، ويجد من أسباب النجح ما لا يجدها الآخر، ويتسع وقته للعمل فيدرك أكثر مما يدرك المتأخر.
أكتب هذه الكلمة في المويه؛ قرية صغيرة في الطريق من مكة إلى الرياض، وقد بتنا في العشيرة فصلينا الصبح وشربنا لبنا وشايا. وركبنا فضربنا في البادية ثلاث ساعات إلا عشر دقائق فإذا نحن في المويه، فشربنا القهوة واسترحنا ونمنا حتى زال تعب السفر ثم قمنا فأفطرنا، ونظرت في الساعة فإذا ثلاث ساعات مضت من النهار.
وكثيرا ما تمضي هذه الساعات الأولى، وهي شباب النهار، في نوم أو كسل أو عبث لا يكسب فيها الإنسان صحة ولا لذة ولا عملا.
إن أسلافنا كانوا يبكرون، يصلون الفجر ثم لا ينامون، فيخرجون إلى أعمالهم فيفرغون مما يهمهم منها قبل أن يشتد الحر، وقبل أن يفتر النشاط. ولا يزال كثير من أهل المدن في بلادنا ومعظم أهل القرى يفعلون هذا. فأين من هذا النشاط وهذه البركة الكسالى اللذين يقتلون أول النهار مثقلين في مضاجعهم لا يعملون؟! وبئس هذا الكسل مقدمة للعمل وفاتحة لليوم!
Halaman tidak diketahui