إذا مضى من عمر الإنسان ساعة فهل بقي ساعة أو فني ساعة؟ وهل زاد عمره ساعة أو نقص ساعة؟ لعلك تقول: زاد ماضيه ونقص مستقبله؛ إن نظرت إلى الماضي وحده والمستقبل وحده، فإن نظرت إلى عمر الإنسان كله ماضيه وحاضره ومستقبله فهل تسمي مضي ساعة بقاء أو فناء، وتدعوه زيادة أو نقصا؟ نظر إلى هذا أبو الطيب إذ قال:
مشب الذي يبكي الشباب مشيبه
فكيف توقيه وبانيه هادمه؟!
إن البقاء والفناء وجهان لحقيقة واحدة؛ هي الكون (الوجود)، فمن شاء نظر إلى هذا الوجه ومن شاء نظر إلى ذاك، من شاء قال: إنه التغير والفناء، ومن شاء قال: إنه الاستمرار والبقاء، من شاء أن يصل نفسه بالحقائق الواسعة الباقية استطاع أن يرى الكون كله بقاء، ومن نظر إلى المضي والتغير وتعاقب الأشياء وتبدل الأشكال رأى الزمان كله فناء.
فصل نفسك ما استطعت بالحقائق الخالدة، وانفذ من الظواهر المتغيرة الفانية إلى البواطن الثابتة الباقية. صل نفسك بحقيقة الحقائق الذي لا يحده أول ولا آخر، ولا يحيط به زمان ولا مكان؛ لعلك تثبت على المضي الذي يبين فيه الفناء، فتشعر بالدوام الذي يتجلى فيه البقاء. صل نفسك بحقيقة الحقائق لا يحدك زمان ولا مكان، وكأن ساعتك صلة آلاف سنين مضت بآلاف بقيت، بل صلة الأزل بالأبد، صلة ما لا يبتدي بما لا ينتهي.
الأحد 27 رجب/14 مايو
وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب
لعل كثيرا من الناس تساءلوا: ما الساعة؟ وكيف تكون كلمح البصر أو أقرب؟ إن عمل العلماء الباحثين في قوى الطبيعة الكاشفين عن أسرارها يكاد يجعل أمر الساعة هذا مما يتناوله العلم بتحقيقه وتجربته، فهم يكشفون عن قوى الذرة ويسلطونها للشقاء على الإنسان وما صنع، يدكون بها المساكن والمصانع ويهلكون بها الحرث والنسل. فقد اخترعوا القنبلة الذرية، ويتحدث الباحثون عن قنبلة أشد تدميرا من القنبلة الذرية، يقولون: إنها قنبلة من الأيدروجين.
ويخشى بعضهم أن يؤثر انفجار هذه القنبلة على الماء فيشعله، فإن اشتعل الأيدروجين في البحار شمل الدمار الأرض ومن عليها في لمحة. ولعل بحثا آخر عن قوى الطبيعة الكامنة وأسرارها الباطنة يكشف عن وسيلة إلى إشعال الهواء، فإن اشتعل الهواء التهمت النار الأرض ومن عليها في طرفة عين. وهكذا يكشف العلم عن الأسرار ويوجهه شقاء الإنسان إلى الدمار.
ليس بعيدا أن يتمادى الإنسان في بحثه ولعبه، وكشفه وعبثه، حتى يلمس قوة من قوى الطبيعة التي يدركها، أو سرا من أسرارها التي لا يدركها، فإذا الهلاك الوحي والدمار الفجائي، وإذا الآية
Halaman tidak diketahui