152

الخميس 14 محرم/26 أكتوبر

السفر ومواعيده

سمعت من الأمثال المصرية: الخروج من الدار نصف السفر. وفي أمثال العرب القدماء: السفر ميزان السفر. وكان الناس في مصر، إلى عهد قريب، إذا أزمعوا سفرا للحج برزوا إلى الساحات قبل السفر بيوم أو أكثر وأخرجوا أمتعتهم ليودعهم المودعون، وليتفقدوا أمتعتهم قبل دهشة الوداع والرحيل.

ومهما يتغير الزمان، وتتبدل الأحوال، ويوات الناس من وسائل السفر وأدواته، فلا بد للمسافر من إعداد وتهيؤ، واحتياط وحزم، ولا بد للمسافر من الأناة واحتمال المشقة وإعانة الرفيق والصبر على أذاه.

وكم يعرض للمسافر في الساعة الأخيرة من زيارة نسيها، أو رسالة لا بد أن يكتبها أو حساب يختمه، أو غير هذه مما يطرأ أو يفجأ. وخير ما يحتاط به المسافر أن يقدر أن موعد سفره قبل موعده المحدود بيوم أو يومين، ويجتهد أن ينجز كل شيء قبل الموعد المقدر، فإن ذكر نسيا، أو لقي طارئا أمكنه تداركه.

أكتب هذه الكلمة وأنا أذكر ما لقيت أمس واليوم في الإعداد للسفر إلى الإسكندرية فباكستان، وقد عجلت الباخرة سفرها يوما، فاضطربت أعمالي، وارتبكت مواعيدي، وضاق الوقت بالإعداد والتهيؤ. والمسافر الحازم لا يؤخر عدته حتى يضيق بتعجيل السفر يوما أو يومين! ولكن الإنسان يجرب ما عاش، ولا تنفعه التجارب إن لم تزده كل تجربة عزما وحيطة، وتفكيرا وتدبيرا.

الجمعة 15 محرم/27 أكتوبر

صديقان لا يتكلمان

سارت بنا باخرة أمريكية من الإسكندرية تؤم كراچي، ومعي بنيتي هالة، وكانت لا تعرف اللغة الإنكليزية. وكان في السفينة نفر من الأمريكان فيهن بنت صغيرة كهالة، فبدأت الألفة بينهما واستحكمت على مر الأيام، فكانتا تصطحبان أكثر الأوقات، وتلعبان وتتفاهمان وهالة لا تعرف الإنكليزية، وسوزان لا تعرف العربية.

قلت: تبين بهذا أن الصداقة تكون بغير لسان، والتعاون يمكن بغير كلام، والتفاهم لا يستحيل بغير لغة، وأن في النظرات والإشارات غنية في أمور كثيرة. وذكرت ما قال الشعراء في لغة العيون وقلة الكلام إذا اشتد الحب، وجاوزت هذا إلى الفكر في البهائم تتفاهم بأصوات قليلة، والطير تقل النبرات وتقصرها في الخطاب، وتكثرها وتطيلها في التغريد. وفكرت في أن أكثر الناس قولا أقلهم عملا، وأن العمل والثرثرة لا يجتمعان، والتفكير والتكلم مختلفان تنقص زيادة أحدهما من الآخر.

Halaman tidak diketahui