فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
وتضريب أعناق الملوك وأن ترى
لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دويا كأنما
تداول سمع المجد أنمله العشر
وكثير من الناس تمنوا الهبوات والعسكر والدوي، وكثير نالوها وملئوا التاريخ دويا وغبارا.
ومن الناس من لا يطمح إلى الملك والقهر، ولكنه يبغي الضوضاء في جهات أخرى؛ يملأ الأسماع كلاما، ويثير حول نفسه غبارا ودخانا ليذيع ذكره ويبعد صيته ويقود الجماهير، ويغلب نظراءه بالحق والباطل.
لا يهدأ إن هدأت الأصوات حوله، ولا يقر إذا قر الغبار دونه. فإن كان من الساسة فالأمة والوطن، ومجد بلاده وسؤددها هجيراه، والكثرة والغلبة والثقة دعواه. وإن كان من الكتاب فالدعوى المدوية، والنشر في الصحف، وصياح أتباعه، وضوضاء المفتونين به ليلا ونهارا وسرا وجهارا، ولا يبالي أن يتزيد فيما له، ويبخس الناس أشياءهم. وكم نفق في هذه السوق زيف، وبار فيها جود، وانتصر المتخلفون وغلب المبرزون، وفرح الجهلاء ، وماتت بحسرتها الحكماء. وهذا كله ضوضاء تصمت، وغبار ينحط، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
إنما المجد كل المجد، والفخر كل الفخر علم نافع يسيل زلالا لا يسمع هدره، وعمل صالح ينبت في الأرض خيرا وبركة لا يحس له ضوضاء، وخلق كالطود الأشم في معترك الحياة، والماء النمير في أرجائها، والنور الهادي في ظلماتها.
الخميس 7 محرم/19 أكتوبر
Halaman tidak diketahui