143

عجائب الاتفاق

أردت اليوم الذهاب إلى سفارة باكستان في القاهرة ونسيت أنها نقلت من الزمالك إلى الدقي، ذهبت إلى مكانها الأول فصعدت فرأيت على غير المعتاد أبوابا مغلقة فصعدت طبقة أخرى فكذلك لم أجد بابا مفتوحا، وسمعت صوتا بالإنكليزية في الطبقة الأرضية خارجا من المصعد، فقلت: لعل واحدا من السفارة هناك، ثم نزلت لأسأل البواب: أين سفارة باكستان؟ فإذا عند المصعد القائم بأعمال السفارة الطيب حسين، وهو الذي سمعت صوته، قال: لم جئت هنا؟ قلت: لألقاك. قال: من أعلمك أني هنا؟ قلت: جئت لألقاك في السفارة. قال: السفارة انتقلت منذ مدة طويلة وإنما جئت هنا لشأن لي! فعجبنا كيف التقينا على غير موعد التقاء صوب غلطي في قصد هذا المكان، وقلت: إنها من عجائب الاتفاق.

وذهبت معه إلى دار السفارة في الدقي، فلما خرجت من عنده وجدت أخا لي وابن أخ في السيارة التي تنتظرني، قلت: كيف عرفتما أني هنا وكيف جئتما؟ قالا: جئنا من الجامعة وحادت الحافلة عن طريقها؛ لأن جسر الزمالك مفتوح، فمررنا بهذا الشارع فرأينا سيارتك فنزلنا. قلت: وهذه الثانية من الاتفاق، وسرنا معا فيسرت لهما بلوغ غايتهما.

وقلت لنفسي: إن كثيرا من الأمور تصيب وتخيب باتفاق عجيب أو غير عجيب، وكثيرا ما كان الاتفاق وسيلة إلى أمر له خطر في معيشة الانسان، فليست كل أمور الإنسان قوانين. وينبغي للإنسان أن يحسب للاتفاق حسابه، وأن ينتهز فرصته ليغتنم ما ييسره له وينتفع به جهد طاقته.

الثلاثاء 5 محرم/17 أكتوبر

سياسة الذئاب والكلاب

يقال: إن الذئاب إذا خرجت تلتمس قوتها وتبغي صيدها فأصيب واحد منها فسال دمه هجم عليه أصحابه فقتلوه وأكلوه.

وكم رأينا كلابا تهترش فتسرع إليها كلاب أخر، فإن وجدت كلبا مغلوبا مطروحا هجمت عليه وشاركت الغالب في عضه.

ذكرت هذا حينما غلبت فرنسا في الحرب العالمية الأخيرة ، ودخل الألمان باريس فآذن مسوليني فرنسا بالحرب.

قلت: هذا ديدن الكلاب لا الرجال، وطبع الذئاب لا البشر. كم سمعنا بنصرة المظلوم والانتصار للضعيف، والتصدي للقوي الظالم وصده عن ظلمه، وقرأنا هذا شعرا ونثرا وعرفنا مثلا في التاريخ؛ تاريخ الجماعات والآحاد. ولكن هذه السياسة الكلبية لم نسمع بها حين كان الناس ناسا لهم مروءات وفيهم حمية وإباء وأنفة من العار، ونفور من الصغار.

Halaman tidak diketahui